من النماذج القرآنية التي تمثل وحدة متكاملة عن العمل الجماعي ـ ما ذكره الله تعالى في سورة النمل عن سيدنا سليمان عليه السلام وجيشه .
فقد ذكر الله تعالى في هذه القصة العجيبة مبادئ العمل الجماعي ، وأسس بناء الحضارات والحفاظ على الأمم ، فتحدث عن :
1 ـ أساس النجاح وبناء الحضارة في العلم ” وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ” (15) .
2 ـ توريث الأجيال للعلم والحضارة ” وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ” (16) .
3 ـ إتقان اللغات ” … عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ” (16) .
4 ـ توفر كافة الإمكانيات ” وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ” (16) .
5 ـ حسن الإدارة وتقسيم العمل ” وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ” (17) .
6 ـ المسئولية الجماعية التي تحتم على الفرد إسداء النصح في احترام جم للآخرين، كما نصحت النملة أخواتها مخاطبة لهم بأسلوب التعظيم ” يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ” (18) .
7 ـ التماس الأعذار للآخرين ، ويبدو ذلك واضحا في قول النملة ” وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ” وكأنها تقول لهم : ادخلوا مساكنكم حتى لا يدهسكم جيش سليمان ، وفي حالة حدوث ذلك فلهم العذر لأنهم لا يشعرون بنا لصغر حجمنا ، فهم غير متعمدين لذلك ، ويبدو التماس الاعذار أيضا في قول نبي الله سليمان عليه السلام عن الهدهد ” أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ” (21) فقد ترك مساحة للعذر ـ استثناء من الوعيد الذي توعّده به ـ إذا كان معه حجة في تغيبه .
8 ـ المتابعة والرقابة وتفقد أفراد فريق العمل ” وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ … ” (20) ولاحظ إيحاءات لفظة ” تفقد ” فكأنك تبحث عن شيء مفقود ، مما يدل على شدة التحري ودقة البحث .
9 ـ الانضباط والحزم ومعاقبة المقصرين ” لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ “(21) .
10 ـ اعتبار البرهان والدليل أساسا في الحكم على المواقف والأشخاص ” أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ” (21) .
11 ـ إنصات الرئيس إلى مرءوسيه ولو كانوا مخطئين عسى أن يكون لهم عذر ، ويبدو ذلك واضحا حين استمع نبي الله سليمان عليه السلام إلى الهدهد وهو يبرر غيابه ” فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ” (22) إلى آخر ما قال .
12 ـ كما أن في قول الهدهد هذا إشارة إلى أن المرءوس والأقل شأنا ومكانة قد يحيط علما ببعض الأمور التي لا يحيط بها الرئيس الأعلى شأنا ، ولا يُستفز الرئيس إذا قال له مرءوسه ” أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ” .
13 ـ إيمان الأفراد بالرسالة والتحمس لها والغضب من أجلها ، كما كان واضحا في كلام الهدهد حين غضب بسبب رؤيته لمن يسجدون للشمس من دون الله تعالى ” إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) ” .
14 ـ التحقـق مـن الأخبـار والتـأكد من صحتها ” قَالَ سَـنَنْظُرُ أَصَـدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ” (27) .
15 ـ عقد الاجتماعات والتشاور في الأمور ” قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) “.
16 ـ عدم التسرع في إصدار القرارات ، واختبار الأمر قبل اتخاذ القرار بشأنه ، كما اختبرت ملكة سبأ صدق سليمان عليه السلام وقوته في رسالته إليها ” قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) ” .
17 ـ الإيمان بالمبادئ وعدم قبول الرشوة فيها ” قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ” (36) .
18 ـ القوة أساس الملك والدعوة إلى الله تعالى ، فالقوة العسكرية والتكنولوجية في غاية الأهمية للدولة ومؤسساتها إذا ما أرادت أن تتقدم وتنهض وتحقق أهدافها ، وتقف نِدًّا قويا أمام أعدائها .
يبدو ذلك واضحا في قول نبي الله سليمان عليه السلام : ” ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ” (37) .
ثم أراد أن يُري ملكتَهم من العجائب ما يبهرها ويجعلها تخضع لسلطان دعوته ” قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ” … ” فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) .
19 ـ عدم الاغترار بالقوة مهما عظمت ونسبة الفضل كله إلى الله تعالى ” فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ” (40) .