في سورة الكهف في قصة نبي الله موسى مع الخضر عليهما السلام ـ نموذج يُحتذى في العملية التعليمية التي تتكون من عناصر ثلاثة : المعلم والمتعلم والمنهج التعليمي .
أولا : المعلم
فقد عرضت القصة للصفات التي يجب أن يكون عليها المعلم ، وهي :
1 ـ الرحمـة عمومـا وبالمتعلمين خصوصـا ” ا فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ” (65) .
2 ـ التخصص فيما يعلِّم ” وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ” (65) .
3 ـ فهم بواطن الأمور وإدراك ما لا يدركه غيره ، ويبدو هذا في كل المواقف التي سلكها في القصة من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وبناء الجدار .
4 ـ تدريب الطلاب على الصبر والتحمل ” قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) .
5 ـ طرح علامات استفهام ومواقف تحتاج إلى جواب ، وترك فرصة للطلاب للتفكير فيها وإمعان النظر ، والإجابة عليها في الوقت المناسب الذي يختاره المعلم ” قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ” (70) .
وقال بعد ذلك ” سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ” (78) .
6 ـ معرفة إمكانيات الطالب ومدى تحمله واستيعابه ” قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ” (68) .
” قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ” (75) .
7 ـ ترك العملية التعليمية في الوقت الذي يثبت فيه للمعلم أن رسالته قد وصلت وما بعد ذلك هو تزَيُّد بدون فائدة ” قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ” (78) .
8 ـ التمـاس العذر للطالب عند الخطأ في المرات الأولى وعدم أخذه بالسـهو من أول مرة ” قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ” (73) .
9ـ وضع حد للأخطاء ، ولتكن ثلاث مرات ، كما هو مفهوم من القصة كلها .
ثانيا : المتعلم
كما يبدو في القصة الصفات التي ينبغي أن يكون عليها الطالب ، وهي :
1 ـ الذهاب إلى المعلم وبذل قصارى الجهد للوصول إليه ” لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ” (60) .
وقال ” لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ” (62) .
2 ـ الأدب في العرض وطلب التعلُّم من المعلم ” قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ” (66) .
3 ـ الإصرار على التعلم رغم القيود والاستعانة بالله في التقيد بها ” قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ” (69) .
4 ـ طاعة المتعلم للمعلم فيما يأمر به ” وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ” (69) .
5 ـ الاعتذار بأدب عند الخطأ والنسيان ” قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ” (73) .
6 ـ إدراك الطالب مدى إرهاقه لمعلمه عند تكرر أخطائه ” قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ” (76) .
ثالثا : المنهج التعليمي
1 ـ الصحبة بين المتعلم ومعلمه ، فالعلم الحقيقي ما كان عن اتباع وصحبة ومعايشة بين الطرفين ” قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ” (66) .
2 ـ تواصل الأجيال في تلقي العلم ، واتصال الإسناد ، فكل معلم يعلّم ما قد تعلمه ، ومتعلم اليوم هو معلم الغد ، ومعلم اليوم هو متعلم الأمس ، وهذا يبدو في قول موسى عليه السلام السابق ” عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ ” .
3 ـ رسالة العلم التي تؤدي إلى الخير والرشاد واتباع الحق ، فلا خير في علم لم يُفد صاحبه رشدا ” مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ” .
4 ـ وضـع الشـروط والمعايير في العملية التعـليمية ، فلا بد من الالتـزام من كلا الجانبيـن ـ المعلم والمتعلم ـ بما اشتُرط واتُّفق عليه ” قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ” (70) .
5 ـ التعليم بالموقف ، وهذا أفضل طرق التعلم وأجدى من كثرة المحاضرات والمواعظ ، وهو واضح في كل القصة حين تعلم موسى عليه السلام من المواقف الثلاثة التي مر بها مع الخضر عليه السلام .