خواطر إيمانية (قالوا تعصي العظيم) يكتبها الدكتور/ بلال محمود طلب
الخاطرة الأولى:
قالوا : تعصي العظيم ؟ قلت : ليس عن عزم وإصرار . قالوا : كيف تعصيه وهو العظيم ؟ قلت : عظمته في قلبي وإن عصيته الدهر كله . قالوا : أتريد العودة إليه : قلت : قد دعاني إليه . قالوا : ألا تستحيي تعود وقد عصيته ؟ قلت : بل أسحيي ألا ألبي دعوته ، وقد أنكرتم عليّ معصيته ! فكيف أعصيه في دعوته ؟!
الخاطرة الثانية:
قالوا : تعصي العظيم ؟ قلت : وأطيعه أيضا ؟ قالوا : الذنوب تحبط العمل . قلت : “إن الحسنات يذهبن السيئات” قالوا : ماذا لو رجح ميزان سيئاتك على حسناتك ؟ قلت : حسن ظني فيه وحبي له لا يرجح عليه شيء !!
الخاطرة الثالثة:
قالوا : تعصي العظيم وقد خلقك ! قلت : بل عصته نفسي وجوارحي وهواي وقد خلقوا معي. قالوا : وقد خلق الله لك عقلا ليكون سلطانا عليهم. قلت : ما من سلطان إلا ويغفل أحيانا عن بعض رعيته. قالوا : ماذا لو طغت رعيتك ؟ قلت : ألجأ إلى من لا يغفل عن رعيته ليعينني عليهم . قالوا : وإن لم يجبك. قلت: كيف وقد قال ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب ” ؟!
الخاطرة الرابعة:
قالوا : تعصي العظيم! قلت : لست معصوما. قالوا : ولكنك مؤاخذ بما تعصي! قلت : ومقبول أيضا بتوبتي. قالوا : إن لم يقبل ؟ قلت : ما وهب الله عبدا استغفارا إلا وهو يريد أن يغفر له ، وإلا فلم وهبه ؟
الخاطرة الخامسة:
قالوا : تعصي العظيم ونسيت أنه يراك! قلت : وكيف أنسى وقد قتلني الحياء منه. قالوا : فلم تعصيه إذن؟ قلت : كتبت المعصية على كل البشر ، وأولهم قد عصاه. قالوا : لكنه قد تلقى من ربه كلمات فتاب عليه. قلت : تلقيناها معه ونحن في ظهره ، فلا نبرح نستغفره بها ما بقينا “ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”
الخاطرة السادسة:
قالوا : تعصي العظيم ولم تستحي منه! قلت : قد قتلني الحياء منه. قالوا : لو كنت تستحيي منه ما عصيته! قلت : بل كانت معصيتي سببا للحياء منه. قالوا : إذن تبرر معصيتك بالحياء ، فتعصيه لكي تستحيي. قلت : بل أبرر الحياء بالمعصية. قالوا : ما الفرق. قلت : لا أعصيه عزما لكي أستحيي منه ، بل لما عصيته سهوا وجهلا استحييت منه. قالوا : لكنك في النهاية عصيته. قلت : كلا بل نهايتي أني استغفرته.
الخاطرة السابعة:
قالوا : تعصي العظيم ! قلت : مع كرهي لمعصيته ، وحبي لطاعته . قالوا : وماذا يفيد وقد عصيته ؟ قلت : أطعته بحب فقربني ، وعصيته بكره فلم يبعدني . قالوا : وما أدراك أنه لم يبعدك ؟ قلت : حين قذف في قلبي كرهي لمعصيته علمت أنه ما زال يتودد إلي ويدعوني، ولو لم يرِدْني لحبب إلي معصيته ولاستمرأْتها . قالوا : وما عملك حين عرفت ذلك ؟ قلت : ألزم بابه منيبا مستغفرا .
الخاطرة الثامنة:
قالوا : تعصي العظيم ! قلت : وما شأنكم أنتم ؟ قد زدتم وأثقلتم ! قالوا : ننكر المنكر . قلت : منكر ظهر أم استتر ؟ قالوا : ننكر كليهما ؟ قلت : لست بأحمق حتى أجاهر بمعصيته فأخرج من بيت معافاته . قالوا : إذن ننكر ما استتر . قلت : إذن أنكروا على أنفسكم ، فقد ستر عليكم كما ستر عليّ ، أم أنكم تدّعون العصمة ؟ هنا لك طأطئوا رءوسهم وقالوا : إذن ما المخرج لنا ولك ؟ قلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم ).
الخاطرة التاسعة:
قالوا : تعصي العظيم وتدعي أنك من الدعاة إليه ؟! قلت : وهل من تعارض ؟! قالوا : كيف تدعو الناس إلى نظافة ثيابهم وثوبك متسخ ؟! قلت : رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، وربما اتساخ ثوب الداعية رغم أنفه وهو يحاول غسله بقدر استطاعته ! قالوا : لكن الله تعالى يقول : “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ” قلت : وقد قال أيضا : ” ادع إلى سبيل ربك ” قالوا : هذا لمن لا يعصي . قلت : إذن لن يدعو أحد إلى ربه فلا أحد معصوم . قالوا : فكيف يستنكر ربنا على من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ؟ قلت : هذا فيمن لا يحاول إصلاح ثوبه المتسخ . قالوا : الآن فهمنا . قلت : الحمد لله .
الخاطرة العاشرة:
قالوا : تعصي العظيم وهو يسترك ؟! قلت : أعن حسد منكم أنه يسترني ؟! قالوا : بل نتعجب ! قلت : تتعجبون من ستر الله علي أم من معصيتي له رغم ستره ؟! قالوا : نتعجب من ستر الله . قلت : سبحان الله ! تعجبون من ستره وهو الحيي الستير ، الرحمن الرحيم ذو الفضل العظيم يتودد إلى عباده بستره عليهم ليحبوه ، ولو فضحهم لتركوا طاعته والتوبة إليه . قالوا : إذن نتعجب من معصيتك له رغم ستره عليك ! قلت أيضا : سبحان الله ! عصيته فسترني ، وتبت إليه فقبلني ، فلما سترني أحببته ، ولما تبت إليه أحبني ، وما زال الحب بيننا . قالوا : إلى متى ؟ قلت : إلى أن أطيعه دوما فيسترني وأتوب إليه من غير معصية ؟قالوا : لقد ألغزت علينا المسألة فأفهِمْنا ! كيف يسترك وأنت تطيعه ؟ وكيف تتوب إليه ولم تعصه ؟! قلت : يسترني لكي تكون الطاعة سرا بيني وبينه ، وأتوب إليه من طاعة لا تليق بمقامه ، قالوا : الآن فهمنا . قلت : كلا لم تفهموا ! قالوا : كيف ؟ قلت : هذا لا يفهمه إلا من عرفه ، ولن يعرفه إلا من ذاقه . قالوا : قد ذقناه . قلت : كذبتم ! لو ذقتموه لما سألتم عنه واعتبرتموه لغزا .
الخاطرة الحادية عشرة:
قالوا : ألا تنتهي عن معصية العظيم ؟! قلت : سوف أنتهي حين تنتهون . قالوا : أجبنا ودعك منا . قلت : قد أجبتكم ! قالوا : كيف ؟ قلت : الأسباب التي أعصيه لها من غفلة وشهوة ونسيان هي عندكم ، فإذا تدبرتم في أنفسكم علمتم ما في نفسي . ولكن هناك فرق بيني وبينكم في المعصية . قالوا : كيف ؟ قلت : عصيته فأقررت وعصيتموه فادعيتم الولاية ، وعصيته فسألتموني عن معصيتي وعصيتموه فلم أسألكم ، عصيته فانشغلت بالمجاهدة وعصيتموه فانشغلتم بالمكابرة ، عصيته…
الخاطرة الثانية عشرة:
قالوا تعصي العظيم ولما تنته بعد ! فإلى متى ؟ قلت : إلى أن يقدر لي أن أنتهي ! قالوا : بل حين تقرر أن تنتهي . قلت : قد قررت كثيرا فلم أفلح ! قالوا : لماذا ؟ قلت : لأنه لم يأذن أن أفلح ! قالوا : لعله لم يأذن لأنك لست أهلا للتوبة ! فتبسمت وقلت : ولكني أتوب كلما عصيته فكيف لا أكون أهلا للتوبة ؟! قالوا : نقصد لست أهلا لأن تتوب بلا عودة للمعصية . قلت : إذن سأكون نبيا معصوما !! قالوا : لا ، لم نقصد هذا ! قلت : فماذا تقصدون إذن ؟ قد احترت معكم ! قالوا : بل أنت الذي حيرتنا !!
الخاطرة الثالثة عشرة:
قالوا تعصي العظيم ولم ترهب عذابه ! قلت : بل أعصيه وأرجو رحمته . قالوا : كيف يرجوها عاص ؟! قلت : بل كيف يقنط من رحمته مقر بمعصيته ؟ قالوا : ماذا لو عذبك بمعصيتك ؟ قلت : أيعذبني وأنا أرجو رحمته ؟ قالوا : ما المانع ؟ قلت : ظننا فيه ، ألم يخبرنا أنه عند ظن عبده ؟ قالوا : ماذا لو خاب ظنك ؟! قلت : لا يخيب وعده أبدا . قالوا : أنت تطمع في فضل الله كثيرا ! قلت : بهذا أمرنا ؟ قالوا : كيف ؟ قلت : قد نادانا “يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا” قالوا : لكنه قال بعدها :”وأنيبوا إلى ربكم” قلت : أنا أكثر الناس إنابة ! قالوا : كيف ؟ قلت : كلما عصيته أنبت .
الخاطرة الرابعة عشرة:
قالوا تعصي العظيم وغرك أنه أمهلك ! قلت : بل أفرحني أنه أمهلني لأتوب ! قالوا : ربما أمهلك استدراجا لتزداد معصية فيهلكك ! قلت : ولكنني أتوب وهذا يكذب ظنكم ! قالوا : ولكنك تعصي والمعصية سبب الهلاك . قلت : كلا ، التوبة سبب الغفران ومنع الهلاك . قالوا : كيف ؟ قلت : قد قال ربي “وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”.
الخاطرة الخامسة عشرة:
قالوا تعصي العظيم ؟ قلت : نعم أعصيه . قالوا : وتتبجح وتجاهر بالمعصية ؟ قلت : سبحان الله ! هل أكذب وأدعي العصمة ؟! قالوا : أليس هذا جهارا بالمعصية ؟ قلت : كلا . قالوا : وما المجاهرة إذن ؟ قلت : أن تذكر معصية بعينها وتصفها تفاخرا بها . قالوا : وبم تسمي ما أنت فيه ؟ قلت : إقرار . قالوا : ولماذا تقر ؟ قلت : لأنكسر له تعالى ، فهذا قمة العبودية ، وقد قال العارفون : معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت غرورا واستكبارا . قالوا : إذن أقررنا أننا نعصيه مثلك !