القاهرة ـ مصر
Open post

رومانسيات سورة البقرة ـ (19) رومانسية

رومانسيات سورة البقرة ـ خواطر قرآنية يكتبها الدكتور/ بلال محمود طلب

رومانسيات (1)

“يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا” (البقرة ـ 35)
وهل يكون المكان سكنا إلا بكِ؟!
وهل يكون الأكل رغدا إلا بكِ؟!
جنة الله بجلالها وكمالها وجمالها لم تكن سكنا ولا رغدا إلا معكِ!

رومانسيات (2)
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة ـ 25)
رغم أنها جنات بثمار متشابهة وطعوم مختلفة، إلا أنه لا يحلو مجلس التفكه إلا بأزواج مطهرة.
كنتِ دوما فاكهة الفواكه، وكنتِ أبدا لذة الملذات، فلا تتركي طُهْر المعدن ولا حسن الكلام ولا دَلال التبـعُّـل، فأنت في الآخرة جنة داخل الجنة، وفي الدنيا تجعلين بطُهرك بيتك جنة.

رومانسيات (3)

“وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ … فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ” (البقرة ـ102)

لأنكِ أهم شيء لي كان أهم هدف للشياطين وللسحرة أن يحدثوا شَرْخًا بيني وبينك، ولأن علاقتكِ أهم العلاقات لي وأحبها إلى الله ـ كان لبس التاج من نصيب الشيطان الذي يستطيع أن يفرق بيني وبينكِ، ولكن هيهات هيهات! فلن يستطيع شيطان ولا ساحر أن يمس ما بيني وبينكِ، فما بيني وبينكِ أقوى من أن يقدر عليه شياطين الإنس والجن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

رومانسيات (4)

هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187].
ألهذا الحد جعلك الله قريبة مني حتى صرت لباسي وستري وزينتي؟ّ!
لا يلمني أحد في حبها، فقد صارت أقرب مني قرب ملابسي من جلدي، وصارت سترا لي فلا تظهر عيوبي، وصارت زينة لي، بها أتجمل وأفخر.

رومانسيات (5)

“أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ” (البقرة ـ 187)

ما أعظم مكانتك عند الله! فلم يُرضه أن أبتعد عنك ليل رمضان بعد أن انشغلت عنك في نهاره، وأصابني من مشقة الصيام ما شغلني عن حبك وملاعبتك ـ حتى قال “أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ … فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ”

ورغم أنه شهر قرآن وقيام لليل إلا أن قربك ينضم لهذه الطاعات بأمر ربي.

وهل يحلو ليل بقيام إلا معك؟

وهل يفرغ القلب لتدبر القرآن إلا بعد أن يصيب حظه منك؟!

رومانسيات (6)
وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (البقرة ـ 187)
ما أحلاك حين أختلس النظر إليك في المسجد وأنا في اعتكافي، تأتين إلى المسجد تريدين الصلاة وقلبك يقول: لعلي أقابله بعد الصلاة!
فسبحان من يعلم أني أهفو إليك في معتكفي فنهاني عن مباشرتك!

رومانسيات (7)
“وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ” (البقرة ـ 221)
إيمانك قبل كل شيء، فلما وافقتِني في الدين والإيمان وافق قلبي قلبَك في الحب والغرام ، وحين أراك في طاعة الرحمن أزداد لك عشقا.
فدعي ضعاف النفوس تعجبهم المشركات والماجنات، ودعيني أعشق إيمانك وعفتك ، فلو كان جمال الشكل مقدَّما على جمال الروح ما دُفن الجسد في التراب وصعدت الروح إلى السماء.

رومانسيات (8)
“وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة ـ 222)
لا أري المحيض نقصا فيكِ يا جميلتي، بل كان اختبارا لشوقي إليك، لقد كان أذى كُتب عليك رغما عنك، فلم يرضَ الله أن يُحمِّلك فوق طاقتك فخفف عنك فيه؛ فلا صلاة ولا صيام، وكنت أنا المبتلى به حتى “فَإِذَا تَطَهَّرْنَ”!

رومانسيات (9)
“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” )البقرة ـ 223)
لولا أنكِ كلَّكِ نفْعٌ وخيرٌ ما شبّهكِ الله بالحرث، ولولا أن كل شيء فيك جميل ما قال “فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ” ولولا أن الوصول إليك صعب المنال ما قال “وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ”.

رومانسيات(10)
لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 226ـ227)
يؤلون من زوجاتهم بهجرهن، وآليت على نفسي بوصلكِ، يتحملون هجرك أربعة أشهر ولا أتحمل معشار ذلك بُعدًا عنكِ.
ما أكرمكِ على الله! جعل مغفرته ورحمته مع الرجوع إليك ” فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” وخوَّفنا بسمعه وعلمه مع طلاقك ” وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”.

رومانسيات (11)
“وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ”
اطمئني يا حبيبتي فليست هذه الآية لك إن شاء الله ، كيف أطلقها وهي قرة العين؟! كيف أطلقها وهي صديقة العمر؟! كيف أتركها تتربص بعدتها؟! وأنا المتربص حين أغيب عنها لسفر وأرقب العودة إليها!
قُرء المطلقة ما بين الحيضتين، وقرئي معك ما بين عشية وضحاها أنتظر رؤيتك.

رومانسيات (12)
“وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا” (البقرة 228)
سبحان الله! أنا أحق بها رغم أني طلقتها، وكأن الآية تقول لي: سارع إلى ارتجاعها إلى عصمتك فأنت أحق بها! لا تتركها حتى تمر عدتها فتتزوج غيرك فأنت أحق بها! إن كرهْتَ منها خلُقا جعلك تطلقها ففيها ما تحبه من الخلُق ـ إن دققت النظر ـ يجعلك تراجعها!
زوجتي الجميلة أنا أحق بك وأنت أحق بي، فلنتعاهد: مهما اختلفنا فلا ندع للخلاف سبيلا يوصلنا إلى أن يكون أحدنا ليس أحق بالآخر.

رومانسيات (13)

“وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ” (البقرة 228)

وكيف لا يكون لكِ عليَّ مثلُ الذي لي وأنت من تركتِ أهلَك لأجلي، ووقفتِ نفسَك لسعادتي، يظن الناس أني آويك في بيتي، وأنت التي آويتِني في قلبك.

وإن كان لي عليك درجة ـ كما قال ربي ـ فإن لك في قلبي درجات من الحب صنعتُ لكِ منها سُلَّما، فاصعدي كيفما شئت.

رومانسيات (14)

“الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ” (البقرة 229)

فلا والله لا مرتين ولا مرة ولا معشار مرة، ولا يفصل بيني وبينكِ إلا الموت إن شاء الله، قد خيّر ربي المطلِّـقين بين ” فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ” أو “تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ” أما أنا فأختار لك الكلمة الأولي من الجملة الأولي والثانية من الثانية، فكان أمري معك: إمساك باحسان بدون تطليق.

عهدٌ عليّ أن أمسككِ فلا أترككِ ما حييتُ، وأن أُحسن إليك فلا أظلمكِ ما بقيت، وهذا في حقكِ قليل.

رومانسيات (15)

“فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (البقرة 230)

طلق حبيبته الطلقة الثالثة! ثم بكى عليها وتألمت لفراقه، وتزوجت رجلا غيره عسى أن ينسيها فراق الحبيب! فاكتوى قلبها وطار عقله.

وها هي ذي تعيش وجسدها هنا وقلبها هناك ، وها هو ذا يعيش بلا قلب ينتظر يوم ميلاده من جديد حين يطلقها الثاني ليعود إليها.

كيف ألجأهما الخلاف إلى أن يصل بهما الأمر إلى هذا الحد؟! أحدهما أو كلاهما مجنون!

فاحفظ حبيبتك أيها الرجل ولا تتركها لغيرك.

رومانسيات (16)
“وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ” (البقرة: 231)
كادت العدة تنتهي وليس أمامهما إلا الرجوع أو التسريح، فصار ينظر إليها يريدها أن تبادر لتصالحه ليسارع إلى رجعتها.
وهي تتربص وتخشى أن تنتهي العدة دون أن يراجعها.
حالهما: اختلاس نظرات ، تلميحٌ بكلمات ، زيادة نبضات
صراع بين الحب والكبرياء البشري، تُرى من ينتصر؟!
لو مد أحدهما يدا لمد الآخر يدين ورجلين، ولو تقدم أحدهما خطوة لقفز الآخر مسافات.
هما حبيبان، ولكن نزغ الشيطان بينهما فوقعَ الطلاق، فلما استفاقا اشتعل الحب ، ولو أزيل حجر الكبرياء من أمامه لرأيتَ شيئا آخر تتمنى أن تنظر إليه لتعرف معاني الحب بين ذكر وأنثى.
فالحمد لله أن جعل العدة تقضيها الزوجة في بيتها حتى يعود الحبيبان لرشدهما، وجعل الكبرياء بينهما حتى يكون خيرهما من يبدأ بالسلام.

رومانسيات (17)

“وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (البقرة: 231)

ما أكرمكِ على الله! من ذا الذي يقدر أن يُضِر بكِ يا حبيبة الله؟! بعدما جعل الله إيذاءك:

  • ظلما للنفس “وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ”
  • واستهزاء بآيات الله “وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا”
  • وجحودا بنعمة الكتاب الذي وعظنا الله به “وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ”
  • ثم أمر بتقوى الله فيك متوعِّدا بأنه عليم بمن يؤذيك “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.

لم أجد آية في كتاب الله أكثر كرامة للمرأة على الله من هذه الآية، فلا تظلموا زوجاتكم فإن لهن مكانة عند ربهن.

رومانسيات (18)
“وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة: 232)
أتمنعها أيها الولي أن تنكح من كان لها زوجا من قبل؟! فإن كنت تغضب لأنه طلقها فارفق به لأنه يحبها! وإن كنت تعجب لِمَ طلقها إن كان يحبها؟ فاعجب لأمر ربك حين أشعل الحب بينهما بعد الفراق!
فاخرج منها أنت فقد تراضيا بينهما بالمعروف، وعاد الحب أفضل مما كان، وقد وعظك ربك بألا تمنعها من الزواج به، فماذا أنت فاعل بعد كلام الله؟!

رومانسيات (19)
“وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا” (البقرة: 235)
لا يحْزُنْكِ أن القرآن كشف مكنون قلبك، وأفصح عن رغبتك في الزواج وأنت في عدة الوفاة! فلولا محبتك لذلك ما أجاز الله التعريض به! فأنت الجمال الذي لا بد له من صاحب يستحقه، ويكفيك ـ مكانة عند الله ـ أنه أراد أن يزيل حزن قلبك في عدتك وأتاك بالرجال يلمّحون بألسنتهم وقلوبهم تصرخ تصريحا بالرغبة فيك، فدعي قلبكِ يختار من يشاء، وتهيئي لهذا الاختيار، فبمجرد مرور العدة ستسمعين طرق الباب بمن اختاره القلب.

Open post

دموع العاشقين ـ (7) خواطر

الخاطرة الأولى:

حين تنام العيون ، وتمتلئ السرر بأهلها ، ويقطع الليل أغلبه ، ويسكن الوجود ـ فإن العاشقين لا تغني عنهم سررهم شيئا ، فقد هجرتْ اعينُهم النومَ فهجر النومُ أعينَهم ، فقاموا يخلون بربهم ، ويبثون إليه أحزانهم ، فتنهمر دموعهم على خدودهم ، حينئذ يحلو اللقاء ، وتصبح الشكوى متعة ، ويصبح الألم أملا ، ويصير مر الهموم حلاوة الطاعة ، فلا كلمات ولا قصائد تغني في وصف تلك الحال ، يكفيك أن تعرف أنك إن ذقتها فلن تتركها ولو بملء الأرض ذهبا .

الخاطرة الثانية:

قالوا : لمَ كل هذا الحنين لشيء لم تلْقَه؟! ولم هذا البكاء علي حبيب لم تره عينك؟! وكيف تبكي العين من لا تراه ؟! قلت : وأشد الحب لمن رآه القلب ولم تره العين ، وأعظم الشوق لمن عرفتْه البصيرة ولم تره الباصرة ، وأجمل العشق لمن عرفتَ عنه أنه يحب لقاءك أكثر من حبك للقائه ، قالوا : فإذا كان يحب لقاءك فلم يُبقيك هنا ؟! لماذا لا يأخذك إليه ؟ قلت : لأنه يحب سماع صوتي تلهفا عليه ، قالوا : وماذا تحب أنت : تتلهف عليه هنا فتزداد تعطشا أم تلقاه هناك فترتوي ؟ قلت : منتهى الحب أن تحب ما يحبه الحبيب ، وقد اختار لي أن أحنّ إليه إلى أجل قدره لي ، وبعده يحلو اللقاء . قالوا : وقد تُعذَّب بهذا الانتظار ؟ قلت : بل متعتي في عذاب الحنين إليه ، وعلى قدر عذاب الانتظار يحلو طعم اللقاء .

الخاطرة الثالثة:

بكت عيناي شوقا إليه ، وهفا الفؤاد تلهفا عليه ، ونبض القلب بأنين الحنين . إلهي لا تدع من اشتاق إليك في هذه الدنيا إلا لما تحبه من الشوق إليك ، ولا تبقه في دار حجبته عن لقائك إلا ليزداد إليك حبا وقربا ، فحرام على من اشتاق البقاء في دار البعاد إلا لزيادة القرب والشوق ، ولا قرت عين المشتاقين بملذات غير لذة مناجاة من اشتاقوا إليه ، إلهي إن كنت أبقيتني للشوق إليك فزدني بقاء ، وإن كنت أبقيتني لغير زيادة القرب والشوق فخذني إليك أخذ الكرام عليك ، فلا خير في دنيا لا نزداد فيها شوقا إليك .

الخاطرة الرابعة:

قالوا : نعشق كما تعشق . قلت : وهل منع عشقي عشقكم ؟ قالوا : ولكنك تتغنى بعشقك! قلت : وهل يضركم ذلك ؟! قالوا : لا ، ولكن ما هذه الدموع التي سالت لعشقك ؟! قلت: أوليس لكم دموع مثلها تسيل لعشقكم ؟! قالوا : لا . قلت : إذن لم تعشقوا ! قالوا : علِّمنا كيف نبكي لعشقنا . قلت : ذلك لا يعلَّم ، بل أعلّمكم كيف تعشقون ، فإذا عشقتم سالت دموعكم . قالوا : إذن علِّمنا كيف نعشق . قلت : الزموا باب الحبيب في الخلوات ، وأكثروا من المناجاة ، واسجدوا واقتربوا ، وكلما أهمكم أمر اهرعوا إليه . قالوا : ولكنا نفعل ذلك أحيانا . قلت : ليس في العشق أحايين ، بل هو الدوام والملازمة حتى يفتح الحبيب .

الخاطرة الخامسة:

إلهي ! يا من أريتنا نفسك بعيون بصائرنا بما يغنينا عن رؤيتك بعيون رءوسنا، وجعلت محبتك في قلوبنا أشد من محبة غيرك فقلت “والذين آمنوا أشد حبا لله” فوعزتك لنحبنّك محبة تباهي بها ملائكتك ، ولنعكفن علي محبتك ما تعاقب الليل والنهار ، ولنبكين شوقا إليك بكاء الطفل الذي فقد أمه وينتظر لحظة لقائها ، ولنعزمن علي طاعتك عزم من لا يريد الإياب عنها ، ولنلزمن بابك ما بقينا في هذه الحياة حتي يُفتح لنا ، فاقبلنا اللهم لك محبين ولا تردنا عن بابك بذنوبنا خائبين .

الخاطرة السادسة:

قالوا : لم كل هذه الدموع وما أغنت عنك شيئا ؟ فلو انشغلت بعمل صالح لكان خيرا لك ! قلت : كذبتم ! كم من دمعة صادقة أغنت عن قيام ليلة كاملة ! وكم من دمعة كانت بابا لتوبة نصوح ! وكم من دمعة جعلت صاحبها في ظل عرش الرحمن “ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ” وكم من دمعة كانت حجابا لصاحبها من النار “عينان لا تمسهما النار :عين بكت من خشية الله … “! وكم من دمعة أعذرت صاحبها إلى الله حين يتخلف عن أفضل الأعمال “ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ” فقل لي : هل بمثل الدمع عمل صالح ؟!

الخاطرة السابعة:

قالوا : نعشق كما تعشق . قلت : لو علمتم من أعشق لعلمتم أنكم بعشقكم تلعبون ، قالوا: أخبرنا حتي نتعلم منك كيف نعشق، قلت : هل رأيتم حبيبا يحبكم قبل أن تخلقوا ، ويرعاكم حتي تعوا وتشتدوا ، ويظل يرزقكم ويعطيكم وإن قصرتم في شكره ، تنكرون فضله فيمهلكم حتي تعرفوا حقه، وتعصونه فلا يعجل عليكم بالعقوبة حتي تعودوا إليه، فإن شكرتموه زادكم ، وإن لم تشكروه ظل يعطيكم لا يمنع فضله عنكم أبدا، هل رأيتم حبيبا يحبكم دون أن تنفعوه ؟ هل رأيتم حبيبا يمنحكم دون أن تعطوه ؟! قالوا : صدقت . قلت : قد عرفتم فالزموا باب محبته ، ولا تحيدوا عن طريق شكره ، قالوا : ولكن كيف نصل إلى عشقه ونبكي شوقا إليه ؟ قلت : من لزم الطريق وصل ، ومن أطال طرق الباب فُتح له .

Open post

خواطر (حوار مع قلمي) 33 خاطرة

خواطر (حوار مع قلمي) يكتبها الدكتور/ بلال محمود طلب

الخاطرة الأولى:

لما رأيت كلام الناس لا يجدي استنطقت قلمي فقال : مرحبا ! طال البعد ! فلِمَ كل هذا المغيب ؟ قلت : رجوت خيرا من كلام الناس . فقال : ويحك ! ماذا كنت ترجو منهم ؟ وهم إنما يعبرون عن أنفسهم ، أما أنا فأعبر عما في نفسك ، فكيف تتركني إلى غيري ؟! قلت : صدقت . قال : قد عرفت فالزمني ولا تكرر الخطأ فتشقى !

الخاطرة الثانية:

شكوت إلى قلمي همي فقال لي : أمسك بي واكتب ما يجول بخاطرك ، فكل من كتبوا بي وهم في مثل همك كتبوا دررا ومشاعر تتجاوز حدود الزمان والمكان . قلت : ثم ماذا بعدما أكتب بك كل هذا ؟ قال : أن يتمنى الناس من بعدك أن يكونوا في مثل همك ليكتبوا بي ما كتبت .

الخاطرة الثالثة:

جلست أحادث قلمي يوما فقلت له : الآن عرفت مكانتك حين رأيت العلماء والكُتّاب ما ارتقوا إلا بك . فقال لي : ما صنعت لي شيئا بهذا الكلام ؟ قلت : كيف ؟ قال دعك من مكانتي فهذا أمر قد أُبرم في السماوات العلا حين أقسم الله بي (ن والقلم وما يسطرون ) فلا أحتاج إلى مدحك . انشغل بما هو أفضل . قلت : وما هو ؟ قال: أن تصنع لنفسك بي مكانة وذكرا .

الخاطرة الرابعة:

قلت لقلمي : ما أنت إلا عود من خشب أو غيره له سن يخط به من يكتب بك ! قال : لا تنظر إلى صغر حجمي ، ولكن انظر إلى حجم ما يكتب بي ، هل تعرف تاريخا حُفظ أو حضارة قامت أو مجدا شُيّد إلا بما كتب بي ؟! قلت إذن لا قيمة لك إلا بما كتبت ! قال : ولا قيمة لك أنت أيضا أيها الإنسان إلا بما كتبت وعملت ، ويبقى لي الفضل عليك في أني لا أحاسَب على شر كتبتَه بي ، بل تحاسب أنت .

الخاطرة الخامسة:

قلت لقلمي : كيف السبيل إلى أن يحسن الإنسان بك الكتابة وأن يحظى بك مكانة ؟ قال : كالسبيل إلى أي شيء يتمناه الإنسان . قلت : كيف ؟ قال : بداية الإتقان أن يفعل الإنسان الشيء بلا إتقان ، ولا يزال يفعله حتى يتعوده ، ولا يزال مستمرا عليه حتى يتقنه . قلت : إذن يطول الأمر والعمر قصير ! فضحك القلم وقال : من كتبوا بي طالت أعمارهم بعد موتهم ، وكان ما كتبوه أطول عمرا منهم .

 

الخاطرة السادسة:

جلست يوما مهموما فإذا بقلمي يسالني : ما أهمك ؟ قلت فعال الناس يشيب الناصيات ! فقال : وأيضا فعالك بالنسبة لهم يجعل الولدان شيبا ! قلت : كيف ؟ قال: هم أيضا يستنكرون عليك كما تستنكر عليهم ، ويشقون بك كما تشقى بهم ، ويزهدون فيك كما تزهد فيهم ، ويرونك كما تراهم ! فلم العجب ؟ قلت : ما الحَكَم بيني وبينهم إذن ؟ قال القلم : قد سطر الله بي قوله “إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون” فدع عنك هذا كله وانشغل بما ينفعك ، واكتب بي ما يجول بخاطرك .

الخاطرة السابعة:

جلست يوما منصرفا عن قلمي أجول بخاطري بلا قلم ، فناداني من بعيد : ما بك ؟ ولمَ تفكر وحدك ؟ وأين أنا منك ؟ ألم نتعاهد ألا نفترق ؟ قلت : دعني وشأني ؛ فقد كتبتُ بك الكثير مما أحس به وما أغنيتَ عني شيئا ؟ فقال : أخطأت ! كم من حكمة نشرتَها قد كتبتها بي ! وكم من مشاعر قرأها غيرك فتعزوا بها ! وكم من نصيحة بثثتَها فانتفع بها قارئها ! كل هذا وتقول ما أغنيتُ عنك شيئا ! قلت : هم استفادوا مما كتبت ، فأين أنا فما زال خاطري يتعبني ؟! فقال : لا أراح الله خاطرك ! قلت له: أتدعو عليّ ؟!! أهذا ما أناله منك ؟!! قال : بل أدعو لك . قلت : كيف ؟ قال : قد أجبتك .

الخاطرة الثامنة:

قلت لقلمي : لماذا أقسم الله بالقلم ؟ قال : لأمور كثيرة وعظائم جليلة يطول ذكرها ! قلت : اذكر لي أهمها . قال : أهمها ثلاثة أمور : قد سُطر بي القرآن في السماوات وفي الأرض ، وإذا كُتِب بي الحق حُفظ وانتشر ، وإذا رددت على الباطل زهق واندثر .

الخاطرة التاسعة:

قلت لقلمي : أنت النديم الذي لا يخون ، وأنت الصديق الذي لا يكذب ، وأنت المعين الذي لا يخذل ، وأنت الناصح الذي لا يقصر . فقال : نعم ، ولكن احذرني في ثلاثة مواطن ، لا تجدني إلا العدو الذي لا يرحم . قلت : اللهم غوثا ! أخبرني بها فما عرفتك إلا وفيا . قال : احذر أن تكتب بي باطلا فأقلب السحر على الساحر ، واحذر أن تنافق بي فأفضحك على الملأ ، واحذر أن تهاجم بي بريئا فأكون عقوبة ووبالا عليك . قلت : ولكن كيف تنتقم في هذه المواطن ؟ قال : أكون أداة لأهل الحق عليك ليكتبوا ما يكشف باطلك .

الخاطرة العاشرة:

سألت قلمي مرة : ما أحسن شيء تكتبه ؟ فقال : هو أحسن شيء تقوله . قلت : لا أفهم ؛ أجبني بتوضيح أكثر ؟ قال : ولا أجيبك حتى تعرف أن هناك شيئا تحسنه ولكنك غافل عنه ، ففتش في نفسك تجد الكثير مما تكتبه . قلت : إذن قل لي ماذا أحسن حتى تكتبه . قال : إن لم تعرف ماذا تحسن فغيرك أقل منك معرفة بنفسك ! قلت : فهمت ، فأعطني علامة أعرف بها ما أحسنه . قال : جرب واكتب فإن وجدتني أنساب معك في الكتابة فهذا دليل على ما تحسنه . قلت : أحسنت صنعا حين أرشدتني ! قال : وأحسنت صنعا حين سألتني !

الخاطرة الحادية عشرة:

أمسكت بقلمي لأكتب فتعثرتُ في الكتابة ؛ أذكر المبتدأ ولا أجد له خبرا ، وأذكر الموصوف وأحتار في الصفة ، وأذكر الفعل وأعجز عن الفاعل ، فقال القلم : ما بالك هذه المرة ؟ أين طلاقة كلماتك ؟ قلت : لا أدري ! صرت حائرا في الكلمات التي تعبر ، والجمل التي تفصح عما بداخلي ! فقال : أوَصلتَ إلى هذه الحال ؟! قلت : نعم وصلت ! فقال : أبشر . قلت : بم تبشرني ؟ قال : ما وصل أحد إلى ما وصلت إليه إلا كان عقله الحائر ينبوعا لأحسن الأفكار ، وكان قلبه المتأجج بالمشاعر وقودا لأرق العبارات ، فلا تترك الكتابة وإن تعثرْتَ ، ولا تهجر القلم وإن تلعثمْتَ . قلت : فمتى تُفكّ عثرتي ؟ فضحك وقال : قد فُكّت وكتبتَ خاطرة اليوم .

الخاطرة الثانية عشرة:

هاجمت قلمي فقلت له : أنت نهايتك ومقامك كتاب يخرج للناس ، ولن يقرأه أغلبهم ، وما أكثر الكتب في الأسواق وعلى أرصفة الطرقات ! فلا تدَّعِ لنفسك فضلا أكثر من هذا ! هنا قهقه القلم حتى دمعت عيناه ، وقال : اسكت يا عزيزي ! لا تقل هذا لأحد غيري حتى لا تُتّهم ، ولولا ما بيني وبينك من عهد قديم لا أخونه لاتّهمتك أنا أيضا ! قلت : ألهذه الدرجة ترى كلامي باطلا ؟! قال : وأراه لا قيمة له !! قلت : مهلا مهلا ، لم كل هذا ؟! قال : يا عزيزي ، تقلل من قيمة الكتاب !! وهل الحق إلا كتاب نزل من السماء ؟! وهل دعوة كل الأنبياء والرسل إلا كتب ورسائل من الله ؟! وهل المجد والحضارة إلا كتاب ؟ وهل الصديق الوفي إلا كتاب ؟ وأنتم تسمون أهم عقد لكم في الحياة الزواج (كَتْب الكتاب ) فماذا بقي في الحياة بعد الكتاب ؟! هات لي شيئا له قيمة في الحياة وأنا أخبرك بقيمة الكتاب فيه ، اسكت أفضل لك ولا تعد لمثلها . هنا طأطأت رأسي واستحييت من نفسي ، وقلت : ويل لمن يقول كلاما دون أن يتأمل فيه قبل أن يقوله .

الخاطرة الثالثة عشرة:

رآني قلمي مهموما فقال : ما لي أراك على هذه الحال ؟ قلت : اتركني ! قال : لا أتركك حتى تخبرني فلست بالصديق الذي يترك حبيبه وقت اغتمامه ولو قال له اتركني . قلت : ما عاد الزمان زمانك ولا الناس ناسك ! قال : كيف ؟ قلت : نافق القوم وفسد الذوق وما عادت كلماتك تروق لمثل هذا الزمان ، وما عاد الشعر الذي سطرته يصلح للفهم واستثارة المشاعر ، فليس هذا عصر الكتابة والأقلام إنما هو عصر الخرافات والهذيان . فقال : يا عزيزي هدِّئْ من روعك ، واسمع مقالتي . قلت : قل أسمعْ . قال : كيف كان حال الناس حين ابتعث الله رسله ؟ وكيف كان حال العرب حين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : في أسوأ حال . قال : ولو كانوا على خير وصلاح فلماذا تكون بعثة الرسل إذن ؟! ولو كانت المجتمعات صالحة لما احتاجوا إلى المصلحين ! وحاجة الناس إلى ما تكتب في فسادهم أكثر من حاجتهم إليه وقت صلاحهم ، اكتب يا صديقي فما ذكرته من فساد الحال أدعَى لأن تكتب وتكتب حتى يُصلح الله بما تكتب ، اكتب ليتعلم الناس ذوق الكلمة بما تكتب ، اكتب لتنشر فضيلة أو علما ، اكتب لتحارب رذيلة أو جهلا ، اكتب فهذا زمن الكتابة والإصلاح .

الخاطرة الرابعة عشرة:

سألت قلمي يوما : لقد أتعبتني واحترت في أمرك ، تصنع الفكر ولا عقل لك ، وتبني الحضارات ولم تشمر عن ساعديك يوما ، وتشيد المجد وأنت العود الصغير ! فتبسم القلم وقال: أعن حسد أم تعجب ؟ قلت : بل أعجب ! قال : أنا أريحك وأضبط لك المسألة . قلت : هات ما عندك ! قال : الجواهر الثمينة تزين النساء وتصنع الثروات للرجال وتحفظ في الخزائن لقيمتها رغم أنها لا عقل لها ولا ساعدين وحجمها صغير مثلي ، أليس كذلك ؟ قلت : بلى ! قال : كذلك أنا جوهرة وكنز لصاحبه ، وزينة للكُتّاب يُنسبون إلي ويلقبون بي ، وفوق كل هذا وصلتْ قيمتي إلى أن يضعوني في جيب القميص الذي فوق القلب . قلت : صدقت . قال : الآن فهمت وارتحت ؟ قلت : أراح الله سنك .

الخاطرة الخامسة عشرة:

غازلت قلمي فقلت له : أحبك وأحب من يحبك ، وأولع قلبي بحبك ، وهامت نفسي في حبك . فقال : مهلا مهلا ! أهذا عشق وهيام ؟ قلت : بل أكثر ! قال : أجعلتَ ما بيني وبينك كما بين العاشقين ، لست امرأة تتغزل بها ، ولا أنثى تولع بجمالها ، ولا فتاة يعجبك دلالها ! قلت : أنت خير لي من هذا كله ! قال: كيف ؟ قلت : حبك يصلح القلوب وحب العاشقين يفسدها ، حبك يزيد بالقرب والاتصال وحب العاشقين يزيد بالبعد والحرمان ، حبك لا ينحل الجسد ولا يصيب بالحزن كما يصنع العشق بالعاشقين ، فلماذا لا أحبك أفضل من حب العاشقين ؟ قال : أصبت كبد الحقيقة ونلت إعجابي هذه المرة . قلت : هذا يعني أني ما أعجبتك في المرات السابقة ! فابتسم وقال : أقصد أعجبتني أكثر هذه المرة . فضحكت وقلت : وجدتَ مخرجا ! فقال : ولا يُعدَم اللبيب مخرجا !

الخاطرة السادسة عشرة:

قلت لقلمي : عجبا لك ! لماذا لا تبدع إلا في أيدي المهمومين والحيارى المكلومين ؟! أبدع بك الشعراء في أوقات لوعتهم ، وتفنن بك المصلحون في وقت معاناتهم ومعاداة الناس لهم ، وترجم بك أهل الهمّ حزنهم في كلمات عابرة للزمان والمكان . فلِمَ كل هذا ؟ قال : يا صديقي أجيبك بصدق لعلك ترتاح ، كل هؤلاء يبدعون بي أكثر من غيرهم لسببين : فروا من الواقع الذي أحزنهم فلم يجدوا سواي ليعبروا عن أشجانهم ، ولو سعدوا بواقعهم لشغلتهم السعادة عني. قلت : نعم صدقت ، فما السبب الثاني ؟ قال : لوعة الحزن والألم تخرج من المرء أفضل ما عنده ، فهل تعرف أحدا يرفع يديه للدعاء لله يجيد في دعائه أكثر من المضطر المكلوم ؟ قلت : لا . قال: كذلك الأمر معي ، ما أمسك بي أحد وهو في مثل هذه الحال إلا كان كلامه معبرا ، وبثه صادقا ، وشعره رقيقا ، وكلماته مُصلحة .

الخاطرة السابعة عشرة:

قلت لقلمي : تُرى هل أنا ممن يحسنون الكتابة بك أم أني من هؤلاء الأدعياء السوقة الذين يروّجون الضبلالات بأقلامهم ، أو يكتبون التفاهات لأهل السفاهة ؟ فقال لي : وهل تحتاج إجابتي ؟ قلت : وإلا ما سألتك ! قال : لا يا صديقي أنت لا تحتاجني في هذا . قلت : كيف ؟ قال : لأنك أدرى بهذا مني ! قلت : سبحان الله ! كيف أعرفه وأسأل عنه ؟ قال : تعرفه من قُرّائك . قلت : أوضح لي أكثر . قال : أنت بمن يقرأ لك ، فانظر إلى حال من انصرف عنك فأنت على خلافه فيما تكتب ، وانظر إلى من يقرأ لك فأنت على سنته وطريقته . قلت : الآن عرفتُ . قال : إذن أخبرني الآن عن قرائك حتى أعرفك ! قلت : أتركهم لك يخبروك !

الخاطرة الثامنة عشرة:

تأخرت ذات ليلة على قلمي فاستبطأني ، ولكنه ظل في انتظاري ، فلما حضرتُ قال لي بلهفة: أين كنت يا عزيزي ؟ قلت : كنت أنوي ألا أجيء ولكني رجعت عن نيتي خشية قلقك علي ! قال : ولم نويت عدم المجيء ؟ قلت : ليس عندي ما أكتبه فلماذا المجيء ؟ قال : وهل لا تجيء إلا وفكرتك حاضرة ؟ قلت : هذا ما أعتقده ! قال : لا يا صديقي ، تعال وإن لم تكن فكرتك حاضرة ، وأمسك بي وابدأ أن تخط بي أول كلمة وستجد الكلمات تنساب على قرطاسك وانت لا تشعر . قلت : أوحقا ما تقول؟! قال : جرب الآن وانت ترى . فبدأت أكتب كما قال وأنا لا أدري ماذا أكتب ، ففتح الله بتلك الكلمات . فقلت له : صدقت . فقال : اسمع لي وأطع أهدك صراطا سويا.

الخاطرة التاسعة عشرة:

استيقظت ذات ليلة على صوت رخيم يقول لي : انهض فما نوم كل الليل بمستساغ ! ففتحت عيني فإذا القلم يجلس بجواري . فقلت : لم توقظني ؟ أما تركتني نائما لأرتاح ؟! فالنوم راحة الحيارى ، وسلوى الثكالى . فقال : هذا وقت السحَر ، وهو نعمة للحيارى ؛ فيه يهديهم ربهم من حيرتهم ، ورحمة للثكالى ؛ فيه يخفف الله عنهم آلامهم . قلت : نعم ،هذا كله مع الله ، فما شأنك أنت ؟ فابتسم وقال : ما أحلى الكتابة بعد ركعتين في غسق الدجى ! وما أعظم ما تسطره وقت صفاء القلب والذهن وقد استغفرت ربك فزال ما على قلبك من رانٍ ! فهنالك تأتي الكتابة على ما يرام . فقلت : إذن توقظني لمصلحتك أيضا ! فقال : يا عزيزي ، كلاهما لمصلحتك أنت ؛ تصلي من الليل فتُصلح ما بينك وبين ربك ، ثم تكتب بي فتُصلح ما بين الناس وربهم بما تسطره من خير . قلت : الآن فهمت ! فقال : والآن انهض !

الخاطرة العشرون:

قلت لقلمي : ما أعجبك أيها القلم ! قال : مم تتعجب ؟ قلت : يظل الهمّ نارا في داخلنا يحرق قلوبنا فإذا ما كتبناه بك انفرج ما في النفس ، وخف الحِمل عن القلب . قال : اتدري لمَ ؟ قلت : أخبرني . قال : لأن الصدر ضيق بالهم فإذا بثثته انطلق في فضاء فسيح ، والهم في الصدر همك وحدك فإذا كتبته فقد شاركت غيرك فيه فصار هم الجميع ، والقاعدة تقول : الخَطْبُ إذا عمّ خفّ . والهم في الصدر هواجس وظنون وأحاسيس قاتلة أما إذا كتبته صار فكرة بنّاءة وكلمات براقة تسعد صاحبها فيخفف عنه همه . قلت : أحسنت وأبدعت ! أجبتني بالقول الفصل ! دائما تنطق بالحق وتقول الصدق ! قال : وأنت دائما تستثيرني لأقوله ! قلت : لأستثيرنّك دائما ! قال : ولأصدقنّك أبدا !

 

الخاطرة الواحدة والعشرون:

قلت لقلمي معجبا به : قد طال عمر القلم ولم تَهْرَم ، أتقنتَ كل اللغات التي تكتب بها ولم تنسَ ! كتبت ملايين الكتب ولم تتوقف ! وبنيت الأمم وشيدت صروحها ولم تتعب ! كم من عرش للظلم قد أسقطتْه كلماتُك ! وكم من فساد عم وانتشر في الأرض قد أوقفته أفكارك ! فمن تكون؟! وأي إمكانات لديك ؟! قال : يا صديقي أنا المَعين الذي لا ينضب ، والمُعين الذي لا يَخذل ، والبحر الذي لا يُغرق ، والمِداد الذي لا ينفد ، والعقل الذي لا يعجز ! أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ، وأسمعتْ كلماتي من به صمم (على حد تعبير المتنبي) قلت : فماذا أبقيت لنا معاشرَ البشر ؟ فقال ضاحكا : أنا بكم وأنتم بي ، فباليد التي تمسك بي صنعت كل هذا ! قلت : هل تصنعه بنا أم نصنعه بك ؟ فمن الأصل ومن الفرع ؟ من المستخدِم ومن المستخدَم؟ قال : دعك من هذه الفلسفة والقسمة الضيزى ! المهم أن الإنسان والقلم يصنعان كل هذا . قلت: صدقت !

الخاطرة الثانية والعشرون:

سألت قلمي : لمَ الكتابة ؟ أما يكفي ما نقوله ؟ فالقول أسهل علينا وأيسر ! فتبسم ضاحكا من قولي ، وقال : “رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي” قلت : مم تتبسم ؟ ولماذا هذا الدعاء ؟ قال : شكرا لله على نعمته على القلم ! قلت : وما هذه النعمة ؟ قال : يا عزيزي أخبرك بفضل ما يكتب على ما يقال ! قلت : قل . قال : ما يقال هباء كثير وما يكتب كنز قليل ، ما يقال يذهب وما يكتب يبقى ، ما يقال يحسنه كل الناس وما يكتب لا يحسنه إلا صفوة الناس ، وفوق كل هذا ما يقال صناعة الثرثارين وما يكتب صناعة المفكرين ، فأين أنا وما سطرته ـوقدأقسم الله بنا ـ من اللسان وما يقوله ؟! وقد جُعل سببا لكبّ الناس على وجوههم في جهنم .

الخاطرة الثالثة والعشرون:

حاورت قلمي متعجبا منه فقلت له : أنت صغير وهذا كبير فِعالك ! هادئ وهذه صرخات كلماتك ! بسيط وهذه تعقيدات كتبك وفلسفات كُتّابك ! من يراك يظن أنك لا شيء ، وفي الحقيقة أنت كل شيء ! فلماذا أنت هكذا ، أخبرني عسى أن نكون مثلك ! فنحن ندّعي العلم والعظمة ولم نصل إلى ما وصلت ! فقال : أخبرك يا عزيزي ، لأنكم تنظرون إلى الشيء في مبتداه ، وأنا أعمل لمنتهاه ! أنتم تقيسون الأمور بالأشكال وأنا أقيسها بالأعمال ! أنتم تحقرون الشيء لشكله وأنا أحتقر الشيء لمضمونه ! أنتم تعملون في ضجيج وأنا أعمل في صمت فكنت أكثر نتاجا ، أنتم تعظمون الحكام ورءوس الأموال ، وأنا أعظّم الحِكَم ورءوس الأقوال . قلت : بهذا سُدتَ وحُزْتَ السؤدد والشرف . قال : وبهذا أيضا يحوزه من كنت له قرينا.

الخاطرة الرابعة والعشرون:

انتابني يوما شعور بالضيق من واقعنا ، فهممْت أن أكسر قلمي فقال : مهلا مهلا ! لماذا؟ اعلم قبل أن تكسرني أنك تكسر نفسك ، فأنا في أيادي الملايين غيرك ! فلماذا تكسر قلمك ولسان قلبك ؟ قلت : ما عدتَ تغني عني شيئا ! قال : ولم ؟ قلت : الناس لا يقرءون ، وإذا قرءوا لا يفهمون ! وإذا فهموا لا يعملون ! وإذا عملوا لا يخلصون ! وإذا أخلصوا كانوا شواذ ومجانين في نظر غيرهم ! فلماذا أكتب بك ؟! قال : يا عزيزي اسمعني ، ثم افعل بعد ذلك ما تشاء ! قلت : قل . قال : سيأتي اليوم الذي يقرءون فيه ويفهمون ويعملون ويخلصون ، بل سيأتي اليوم الذي يُعدّ فيه من لا يقرأ شاذا منبوذا ! قلت : من أين لك أنه سيأتي ؟ قال : قد أتى على أمم غيرنا فكيف لا يأتي علينا ونحن أمة القراءة والقلم وما يسطرون ! قلت : لكن الأمم الأخرى أدركوا ما لم ندركه ! قال : قد أدركنا ذلك قديما فسبقناهم وكنا سادة العالم علما وحضارة ، فلما نمنا سبقونا ، وهكذا الأيام دُوَل . قلت : متى نستعيد عزنا وندرك ما فاتنا ؟ قال : علْم ذلك عند ربي ولكنه آت لا محالة ، وكلما كتبتَ أنت وغيرك عجّلتم من وقت مجيئه . قلت : وإذا متنا قبل أن نرى ذلك اليوم ؟ قال: تكونون قد أديتم واجبكم وأعذرتم أنفسكم عند ربكم ، وغرستم ليجني مَن بعدكم ثمار غرسكم .

الخاطرة الخامسة والعشرون:

تغيبت عن قلمي أياما فلما عدت قال : أين كنت ؟ قلت : ألا تسلم أولا وتستقبلني كما يستقبل الصديق صديقه ! قال : تغيبك عن قلمك أهم في السؤال عنه من مراسم الاستقبال ، دع قبلات التلاقي وأحضانه لغيرنا ، وأخبرني أين كنت ؟ قلت : كنت مريضا فلم أكتب . قال : ومنذ متى والمرض يمنع صاحبه من الفكر والكتابة ؟! قلت: العقل السليم في الجسم السليم . قال : دع هذا الكلام يقال في الإذاعة المدرسية، فمثلك لا يقوله ! قلت : فماذا تقول أنت ؟ قال : العقل السليم والفكر الناضج لا يعتل باعتلال الجسد ، والمصلحون لا يوقفهم المرض عن مسيرتهم . قلت : كيف يستطيعون وهم مرضى ؟ قال : أنا لا أقول يسافرون أو يحاربون ، وإنما قلت : لا يتوقف فكرهم وقلمهم ! قلت : من أين لك هذا الرأي ؟ قال : يا صديقي ليس مجرد رأي ، إنه والله لحق ! قلت : أقم لي دليلا عليه ! قال : نبينا صلى الله عليه وسلم ما توقف عن دعوته وهو مريض مرض الوفاة ؛ فأوصى وأمر ونهى . وأبو بكر الصديق استخلف عمر وشاور فيه الناس وأخذ له البيعة وهو على فراش الموت . وعمر بن الخطاب لم تمنعه طعنة المجوسي أن يضع خطة محكمة لاختيار الخليفة من بعده . قلت : نعم صدقت في كل هذا . قال : إذن جرب واكتب بنات أفكارك وأنت مريض ، ولسوف تجد صحة كلامي . قلت : في المرض القادم إن شاء الله فقد عوفيتُ من هذا . قال : لا أراكه الله ثانية ! قلت : آمين .

الخاطرة السادسة والعشرون:

قلت لقلمي أخبرني بسر عنك لم تبُحْ به لأحد من قبل ! قال : أوتتحمل ما سأقوله لك ؟! قلت : نعم . قال : من كتب بي حقا ونشر بي صدقا ولم ينافق بي ولم يخادع احدا كنت سببا في أذاه في حياته ، ولكني بعد مماته أرفع ذكره وأجعله سيدا في الآخرين . قلت : ولم تجعل هذا سرا ؟ قال : حتى لا يصُدَّ الناس عني بسبب ما أحْدِثه لهم من أذى عاجل . قلت : ولم أخبرتني بهذا الأمر ؟ قال : أنت الذي طلبت ! قلت : طلبت سرا ، وما كنت أظن أنه هذا ! ليتك لم تخبرني ! أما وجدت سرا آخر لتخبرني به ! قال : يا عزيزي! ليس من شيم الرجال أهل القلم أن يجزعوا أو يتقهقروا ، فالطريق أمامهم طويل إلا أنه لا رجعة فيه ، فلا تخف من ضرر عاجل في نفع لاحق ، فالعبرة بالخواتيم ، والعاقبة للمتقين . قلت : ماذا لو صدني هذا الذي بحْتَ به عن الكتابة ؟! فأنا بشر يصيبني ما يصيبهم من الخوف والقلق ! قال : عليك بأمرين يثبِّتانِك على الحق . قلت : ما هما ؟ قال : تذكر أن الأقدار قد كتبت ورفعت الأقلام وجفت الصحف ، فلن يصيبك إلا ما قُدر لك . قلت : نعم صدقت ، فما الأمر الثاني ؟ قال : تكفيك هذه الآية ” إن معي ربي سيهدين ” .

الخاطرة السابعة والعشرون:

سألت قلمي : لطالما قارن الناس بينك وبين السيف ، فأنت أداة الفكر والكتب ، والسيف أداة الحرب والفتوح ، فأيكما أفضل ؟ أخبرني . قال : يا صديقي بالقلم تُبنى الحضارات وبالسيف يُقاوَم أعداء الحضارات ، فنحن ضرورتان لكل مكرمة ، ولازمان لكل دولة ، وقد جمع المتنبي بين أدوات الحرب وأدوات الكتابة يفاخر بهما، فقال ( والخيل والليل والبيداء تعرفني ،،، والسيف والرمح والقرطاس والقلم ) قلت : سلَّمتُ لك أن الجمع بينكما ضرورة ، وكلاكما يكمل صاحبه ، ولكن لا بد من أن أحدكما أفضل من الآخر ؟ فمن أفضل : أنت أم السيف ؟ ولا تهرب من سؤالي ، أم أنك لا تريد مفاضلة أنت فيها طرف فتخشى من عدم الإنصاف في الحكم . قال : لا شك أن المفاضلة أمر صعب ، ولكني سأحاول إقناعك . قلت : قل . قال : الأفضل منا حسب اليد التي تمسك بنا ، فالسيف أفضل لأهل السيف ، والقلم أفضل لأهل القلم ، والسيف له موضعه والقلم له مواضعه . قلت : لم جمعت مواضعك وأفردت موضع السيف ؟ قال : أليست هذه الحقيقة ؟ السبف للحرب وليست الحرب أصلا وهي نادرة ، أما القلم ففي كل وقت وحين . قلت : بهذا بان لي أيكما أفضل ! قال : الحمد لله أن فهمت دون أن أفصح . قلت : الحمد لله أن جعل تلميحك أبلغ من تصريحك .

الخاطرة الثامنة والعشرون:

قلت لقلمي : متى نفترق ؟ فقال : فاجأتني بسؤالك ! قلت : ليس من شأني المفاجآت ، وليس الحكيم بمن يفاجئ دون أن يمهِّد .، ولكن هكذا نطق لساني ، فاعذرني وأجبني : متى نفترق ؟ قال : ما نطق لسانك بهذا إلا لشيء وراءه في قلبك ! قلت : نعم . قال : وما في قلبك أخبرني ؟ قلت : أجبني عن سؤالي أولا ! قال : ستأتي إجابتي حسب إجابتك فهي فرع عن أصل ! قلت : في قلبي هم واستشعار بمسئوليتك ، وصرتُ أعتقد أن الكتابة فرض فزادني هذا غما بغم ، وصرتُ متعلقا بك فحملتُ همَّ فَقْدك ، فاتركني الآن قبل أن تصير لي إدمانا ! فأجبني الآن : متى نفترق ؟ فقال : الآن عرفتُ أننا لن نفترق إن شاء الله . قلت : كيف ؟ لقد زدتني هما بإجابتك هذه ! قال : يا عزيزي من تعلق بشيء لا يفارقه ما دام في يده ، وأنا على عهد مع الله ألا أفارق يدا أمسكت بي ما دامت لم تتركني هي ، فكيف أفارقك ؟ قلت : من أين أتيت بهذا العهد ؟ قال : ألم تقرأ قوله تعالى “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” فما دمت تجاهد بي فالله يزيدك مجاهدة ، فاحمل المسئولية وخذها بقوة . فقلت : الله المستعان .

الخاطرة التاسعة والعشرون:

ظننت يوما أني سوف أستطيع أن أُحْرج قلمي وأجد له سلبية ـ من باب مشاكسة الأحبة كعادتنا دائما ـ فقلت له : سوف أضربك اليوم في مقتل ! قال : هات ما عندك. فقلت : لقد أكثرتَ من مدح نفسك وذِكر مآثرك ، وأنا مقِرّ بها ، ولكن ماذا عن الشعراء والكُتّاب الذين استخدموك أداة في نفاقهم وفسقهم ؛ فقد تغزل بك عمر بن أبي ربيعة ووصف النساء بما يُحْرج أهل العفاف ، ومدح بك النابغة الذبياني الملوك ، وتملق بك المتنبي الأمراء ، وبك أشبع أبو نواس الخمر وصفا ، وكنت سيفا مسلطا للهجاء عند بشار بن بُرْد ، ثم دعك من هذا كله يكفيك ذما أن الله قال “والشعراء يتبعهم الغاوون” وأنت أداة الشعراء .

فتبسم القلم تبسُّم المغضَب ، وشمر عن ساعديه ، واعتدل في جِلسته كأنه ينذر بهجوم ، وقال : أهذا كل ما عندك يا عزيزي ؟ أهذا هو المقتل الذي تصيبني فيه ؟ قلت : نعم ، أجبني ولا تتملص ! قال : ماذا لو كان ابن أبي ربيعة متغزلا في زوجته ، أو يتغزل كاتبا دون أن يتعرض لامرأة لا تحل له ؟ ماذا لو كان النابغة صادقا في شعره وأبو الطيب غير متملق ؟ ماذا لو كانت الخمر حلالا ؟ ماذا لو هجا بشار من يستحقون الهجاء من ذوي الظلم والفجور ؟ قلت : لكان شعرهم ممدوحا وعملهم منقبة . قال : إذن هذا يتعلق بنيتهم وهم يحاسبون عليها ، ولا شأن للقلم بما ينتوون ، يبقى عليهم إثمهم ويبقى لي فضل التعبير وجمال التصوير وروعة البيان ، أما الآية فهي دليل لي لا علي ! قلت : كيف ؟ قال : لقد ذمت الشعراء لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، أما فن القول فيبقى فنا ، فلم تذم الآية القول والشعر ، ولو أنهم قالوا ما يفعلونه ، وكتبوا ما يعتقدونه من الحق لكانوا ممدوحين لا مذمومين ، أليس كذلك يا عزيزي ؟ قلت : بلى ! قال : هل لك من حجة أخرى ؟ قلت : لا . قال : انصرف راشدا ، ولا تحاول ذم من أقسم الله به في كتابه . قلت : انتهيت انتهيت!

الخاطرة الثلاثون:

قلت لقلمي : ما أجمل الحوار معك ! نختلف كثيرا ولكننا لا نتصارع ! وربما أسمعتني ما يوجعني وأسمعتك ما يؤلمك ، ولكن ننتهي دائما من حوارنا متحابين ! لقد تعلمت أدب الحوار منك . قل لي يا قلمي : لماذا يؤدي الحوار بالناس إلى الشقاق والنزاع ؟ قال : أنا أخبرك يا صديقي بقول ربما لم تسمعه من أحد قبلي ! قلت : قل ، فدائما تسمعني ما لم أتعود سماعه ، ونعْم الصديق من وجدتَ عنده من الخير ما لم تجده عند غيره ! قال : الناس تتحاور لمقصد واحد ، يتحاورون للاتفاق ، فكل يريد من غيره أن يوافقه ، فإذا لم يستطيعوا أن يحققوا مرادهم تنازعوا عصبية وحمية لرأيهم . قلت : سبحان الله ! وهل نتحاور إلا من أجل هذا يا صديقي ؟ من أجل أن نتفق ! قال : هذا هو الخطأ الذي شق عصا المتحاورين ! ظنوا أن الحوار للاتفاق فحسْب وليس لأغراض أخرى . قلت : اذكر لي أغراضا أخرى للحوار . قال : يا صديقي: نحن نتحاور لنتبادل المعلومات ، نتحاور لمعرفة ما في القلوب ، نتحاور للتعبير عن الرأي وإظهار ما نعتقده من الحق ، حتى وإن تحاورنا بغرض الاتفاق فليس لزاما أن يكون اتفاقا على ما نريده نحن ، فقد أتفق مع من يحاورني على رأيه هو وأتنازل عن وجهة نظري ، أو نتفق نحن الاثنين على شيء آخر غير ما يريده هو وما أريده أنا ، مثل أن نصل إلى حل وسط . قلت : نعم صدقت ! قد أرهق الناس أنفسهم حين يتحاورون من أن أجل أن يقنعوا غيرهم بوجهة نظرهم فحسب .

الخاطرة الواحدة والثلاثون:

رآني قلمي مهموما فقال لي : ما لك يا عزيزي؟! قلت : أأنا عزيزك حقا ؟! قال : نعم وهل تشك في هذا ؟! قلت : لم جعلتني عزيزك ؟ قال : كل من نشر بي حكمة أو كشف بي مكنونات نفسه أو وجد لذة في خلوته معي فهو عزيزي . قلت : هذا حظك من الناس ، فما حظهم منك ؟ قال : أكون عزيزهم كما كانوا أعزتي ، وأزيدهم على هذا بألا أخذلهم في موطن احتاجوني فيه ليكتبوا ما أرادوا ، وأن أرفع ذكرهم وقدرهم . قلت : أيحدث هذا حقا ؟! قال : نعم ، ولكنكم تستعجلون ! قلت : دون ذلك تجرع النفوس مرارة الألم ، ومعالجة الأشواك والأشواق ، وأن تبكي العيون دما !! قال : لا أكْذِبك ، لقد صدقتَ ! ولكن اعلم أن بعد ذلك راحة الضمير ، وفرحة التمكين ، اصبر اصبر يا عزيزي! فما أعطي أحد عطاء خيرا من الصبر ، وسر واعمل في ظلمات الليل ولا تستوحش ، وعند الصباح يَحْمد القومُ السُّرَى .

(السرى : المسير ليلا)

الخاطرة الثانية والثلاثون:

قلت لقلمي في يوم اعتدل فيه مزاجي : لماذا لا نخرج معا نتنزه كما يتنزه الآخرون ؟ هل كُتب علينا نحن الاثنين أن نكون محبوسين بين الجدران ؟! هيا يا صديقي نرتع ونلعب ونلهو كما يلهو الصبيان ، فما الكبار إلا أطفال بأجسام كبيرة ! هيا نأخذ من هزلنا لجدنا ، ومن مرحنا لجهدنا ، فالأيام ساعة وساعة ، وفي كل منهما عون على الأخرى ! فابتسم كعادته ! فقلت له : تبسمك يُقلقني ، فما تبسمتَ يوما من كلامي إلا وجدت وراء تبسمك أشياء وأشياء! فقال : جدراننا أفضل لنا يا صديقي ! قلت : لا ، في هذه المرة الصواب ما أقول ! هيا فلا تضيق واسعا ، ولا تعسر يسيرا ، فلنعش كما يعيش الآخرون ! فقال : هيا نجرب لترى الحقيقة واقعا ، والواقع خير دليل على معرفة الحقائق . فانطلقنا معا ، وركبنا ونزلنا معا ، واستمعنا إلى أحاديث الناس معا ، ورأينا في طرقات مدينتنا ما رأيناه معا ، فلما انتهت رحلتنا سألني قلمي : أخبرني ماذا وجدت ؟ قلت : ما يُدمي القلبَ ويُحزن النفسَ ويُشيب الرأس ! وجدت أناسا ينطلقون لغير وجهة ولا هدف ، ورأيت سفسطة في الكلام لا مبرر لها إلا مضيعة الأوقات ، ووجدت أشكالا وظواهر تنبئك عن بواطن أصحابها ، فأفئدتهم هواء ، وعقولهم خواء ، ألهؤلاء نكتب يا صديقي ؟! نحن نضيع أوقاتنا إذن ! قال : لا يا صديقي ، لن يضيع عملنا سُدَى ، ولهؤلاء نكتب حتى تُزكَّى قلوبهم ، وتُنمَّى عقولهم ، لا تقلق يا صديقي فالمستقبل قادم بالخير إن شاء الله . قلت : ليتني ما خرجتُ ! قال : الحمد لله أن خرجنا ! قلت : ويحك ! كنت تنكرعليّ الخروج والآن تؤيده ! قال : نعم ، أنكرت عليك قبل الخروج لعلمي بمفاسده ، والآن أمدحه لأنه أوقفنا على ما يحتاجه الناس منا ! قلت : الطريق طويل يا عزيزي ! وما زال يحتاج إلى عمل دءوب وسعي حثيث ! قال : ونحن لها إن شاء الله ، فطريقنا طريق الأنبياء والمرسلين ، طريق الدعاة والمصلحين ، طريق الذين قضوا فيه نحبهم من الشهداء والصديقين ، ألا يكفيك أن تكون في طريق هؤلاء ولو كان طويلا مليئا بالأشواك! قلت : بلى يكفيني ويكفيني!

الخاطرة الثالثة والثلاثون:

قلت لقلمي : هذا آخر العهد بيننا ، فوداعا يا صديقي ! قال : عن أي وداع تتحدث ؟ قلت : سأودعك بهذه الخاطرة من (حوار مع قلمي)! قال : يا صديقي ليس وداعا ! قلت : كيف : قال : ليس هذا آخر العهد بيننا ما دمت تكتب بي ، أيا ما كان الذي تكتبه ، ألست تكتب بي خواطر أخرى ؟ قلت : بلى . قال : إذن ليس وداعا ! قلت : ولكنه وداع لهذه السلسلة . قال : وليكن ، فليس العهد بيننا حوار هنا وسلسلة هناك . قلت : صدقت ، فبم تنصحني في ختام هذا الحوار ؟ قال : دوِّن أفكارك دائما وإن لم تكتمل ، فالفكرة كالطفل تولد ثم تكبر وتنمو حتى تكتمل ، فإن لم تدونها ماتت في مهدها . ولا تستهن بأي فكرة ؛ فربما لا يكون هذا يومها ، ويكون وقتها الغد . واجعل العقل والقلم قرينين لك ، فقلمك في يدك ما دمت تفكر ، سجل ثم سجل ، وحين تكتمل فكرتك أخرجها للناس ، ولا تكتمها فتموت بموتك ، فرب فكرة أحيتْ أمة! قلت : نعم نصحت فصدقت ، وأرشدت فهَديت . قال : والآن أخبرني وأخبر قراءك بالخواطر الجديدة . قلت : خواطر (أتدري لماذا؟) قال : موفق بإذن الله . قلت : آمين.

 

 

 

 

Open post

خواطر (قالوا تعصي العظيم) 15 خاطرة

خواطر إيمانية (قالوا تعصي العظيم) يكتبها الدكتور/ بلال محمود طلب

الخاطرة الأولى:

قالوا : تعصي العظيم ؟ قلت : ليس عن عزم وإصرار . قالوا : كيف تعصيه وهو العظيم ؟ قلت : عظمته في قلبي وإن عصيته الدهر كله . قالوا : أتريد العودة إليه : قلت : قد دعاني إليه . قالوا : ألا تستحيي تعود وقد عصيته ؟ قلت : بل أسحيي ألا ألبي دعوته ، وقد أنكرتم عليّ معصيته ! فكيف أعصيه في دعوته ؟!

الخاطرة الثانية:

قالوا : تعصي العظيم ؟ قلت : وأطيعه أيضا ؟ قالوا : الذنوب تحبط العمل . قلت : “إن الحسنات يذهبن السيئات” قالوا : ماذا لو رجح ميزان سيئاتك على حسناتك ؟ قلت : حسن ظني فيه وحبي له لا يرجح عليه شيء !!

الخاطرة الثالثة:

قالوا : تعصي العظيم وقد خلقك ! قلت : بل عصته نفسي وجوارحي وهواي وقد خلقوا معي. قالوا : وقد خلق الله لك عقلا ليكون سلطانا عليهم. قلت : ما من سلطان إلا ويغفل أحيانا عن بعض رعيته. قالوا : ماذا لو طغت رعيتك ؟ قلت : ألجأ إلى من لا يغفل عن رعيته ليعينني عليهم . قالوا : وإن لم يجبك. قلت: كيف وقد قال ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب ” ؟!

الخاطرة الرابعة:

قالوا : تعصي العظيم! قلت : لست معصوما. قالوا : ولكنك مؤاخذ بما تعصي! قلت : ومقبول أيضا بتوبتي. قالوا : إن لم يقبل ؟ قلت : ما وهب الله عبدا استغفارا إلا وهو يريد أن يغفر له ، وإلا فلم وهبه ؟

الخاطرة الخامسة:

قالوا : تعصي العظيم ونسيت أنه يراك! قلت : وكيف أنسى وقد قتلني الحياء منه. قالوا : فلم تعصيه إذن؟ قلت : كتبت المعصية على كل البشر ، وأولهم قد عصاه. قالوا : لكنه قد تلقى من ربه كلمات فتاب عليه. قلت : تلقيناها معه ونحن في ظهره ، فلا نبرح نستغفره بها ما بقينا “ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”

الخاطرة السادسة:

قالوا : تعصي العظيم ولم تستحي منه! قلت : قد قتلني الحياء منه. قالوا : لو كنت تستحيي منه ما عصيته! قلت : بل كانت معصيتي سببا للحياء منه. قالوا : إذن تبرر معصيتك بالحياء ، فتعصيه لكي تستحيي. قلت : بل أبرر الحياء بالمعصية. قالوا : ما الفرق. قلت : لا أعصيه عزما لكي أستحيي منه ، بل لما عصيته سهوا وجهلا استحييت منه. قالوا : لكنك في النهاية عصيته. قلت : كلا بل نهايتي أني استغفرته.

الخاطرة السابعة:

قالوا : تعصي العظيم ! قلت : مع كرهي لمعصيته ، وحبي لطاعته . قالوا : وماذا يفيد وقد عصيته ؟ قلت : أطعته بحب فقربني ، وعصيته بكره فلم يبعدني . قالوا : وما أدراك أنه لم يبعدك ؟ قلت : حين قذف في قلبي كرهي لمعصيته علمت أنه ما زال يتودد إلي ويدعوني، ولو لم يرِدْني لحبب إلي معصيته ولاستمرأْتها . قالوا : وما عملك حين عرفت ذلك ؟ قلت : ألزم بابه منيبا مستغفرا .

الخاطرة الثامنة:

قالوا : تعصي العظيم ! قلت : وما شأنكم أنتم ؟ قد زدتم وأثقلتم ! قالوا : ننكر المنكر . قلت : منكر ظهر أم استتر ؟ قالوا : ننكر كليهما ؟ قلت : لست بأحمق حتى أجاهر بمعصيته فأخرج من بيت معافاته . قالوا : إذن ننكر ما استتر . قلت : إذن أنكروا على أنفسكم ، فقد ستر عليكم كما ستر عليّ ، أم أنكم تدّعون العصمة ؟ هنا لك طأطئوا رءوسهم وقالوا : إذن ما المخرج لنا ولك ؟ قلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم ).

 

الخاطرة التاسعة:

قالوا : تعصي العظيم وتدعي أنك من الدعاة إليه ؟! قلت : وهل من تعارض ؟! قالوا : كيف تدعو الناس إلى نظافة ثيابهم وثوبك متسخ ؟! قلت : رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، وربما اتساخ ثوب الداعية رغم أنفه وهو يحاول غسله بقدر استطاعته ! قالوا : لكن الله تعالى يقول : “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ” قلت : وقد قال أيضا : ” ادع إلى سبيل ربك ” قالوا : هذا لمن لا يعصي . قلت : إذن لن يدعو أحد إلى ربه فلا أحد معصوم . قالوا : فكيف يستنكر ربنا على من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ؟ قلت : هذا فيمن لا يحاول إصلاح ثوبه المتسخ . قالوا : الآن فهمنا . قلت : الحمد لله .

الخاطرة العاشرة:

قالوا : تعصي العظيم وهو يسترك ؟! قلت : أعن حسد منكم أنه يسترني ؟! قالوا : بل نتعجب ! قلت : تتعجبون من ستر الله علي أم من معصيتي له رغم ستره ؟! قالوا : نتعجب من ستر الله . قلت : سبحان الله ! تعجبون من ستره وهو الحيي الستير ، الرحمن الرحيم ذو الفضل العظيم يتودد إلى عباده بستره عليهم ليحبوه ، ولو فضحهم لتركوا طاعته والتوبة إليه . قالوا : إذن نتعجب من معصيتك له رغم ستره عليك ! قلت أيضا : سبحان الله ! عصيته فسترني ، وتبت إليه فقبلني ، فلما سترني أحببته ، ولما تبت إليه أحبني ، وما زال الحب بيننا . قالوا : إلى متى ؟ قلت : إلى أن أطيعه دوما فيسترني وأتوب إليه من غير معصية ؟قالوا : لقد ألغزت علينا المسألة فأفهِمْنا ! كيف يسترك وأنت تطيعه ؟ وكيف تتوب إليه ولم تعصه ؟! قلت : يسترني لكي تكون الطاعة سرا بيني وبينه ، وأتوب إليه من طاعة لا تليق بمقامه ، قالوا : الآن فهمنا . قلت : كلا لم تفهموا ! قالوا : كيف ؟ قلت : هذا لا يفهمه إلا من عرفه ، ولن يعرفه إلا من ذاقه . قالوا : قد ذقناه . قلت : كذبتم ! لو ذقتموه لما سألتم عنه واعتبرتموه لغزا .

الخاطرة الحادية عشرة:

قالوا : ألا تنتهي عن معصية العظيم ؟! قلت : سوف أنتهي حين تنتهون . قالوا : أجبنا ودعك منا . قلت : قد أجبتكم ! قالوا : كيف ؟ قلت : الأسباب التي أعصيه لها من غفلة وشهوة ونسيان هي عندكم ، فإذا تدبرتم في أنفسكم علمتم ما في نفسي . ولكن هناك فرق بيني وبينكم في المعصية . قالوا : كيف ؟ قلت : عصيته فأقررت وعصيتموه فادعيتم الولاية ، وعصيته فسألتموني عن معصيتي وعصيتموه فلم أسألكم ، عصيته فانشغلت بالمجاهدة وعصيتموه فانشغلتم بالمكابرة ، عصيته…

الخاطرة الثانية عشرة:

قالوا تعصي العظيم ولما تنته بعد ! فإلى متى ؟ قلت : إلى أن يقدر لي أن أنتهي ! قالوا : بل حين تقرر أن تنتهي . قلت : قد قررت كثيرا فلم أفلح ! قالوا : لماذا ؟ قلت : لأنه لم يأذن أن أفلح ! قالوا : لعله لم يأذن لأنك لست أهلا للتوبة ! فتبسمت وقلت : ولكني أتوب كلما عصيته فكيف لا أكون أهلا للتوبة ؟! قالوا : نقصد لست أهلا لأن تتوب بلا عودة للمعصية . قلت : إذن سأكون نبيا معصوما !! قالوا : لا ، لم نقصد هذا ! قلت : فماذا تقصدون إذن ؟ قد احترت معكم ! قالوا : بل أنت الذي حيرتنا !!

الخاطرة الثالثة عشرة:

قالوا تعصي العظيم ولم ترهب عذابه ! قلت : بل أعصيه وأرجو رحمته . قالوا : كيف يرجوها عاص ؟! قلت : بل كيف يقنط من رحمته مقر بمعصيته ؟ قالوا : ماذا لو عذبك بمعصيتك ؟ قلت : أيعذبني وأنا أرجو رحمته ؟ قالوا : ما المانع ؟ قلت : ظننا فيه ، ألم يخبرنا أنه عند ظن عبده ؟ قالوا : ماذا لو خاب ظنك ؟! قلت : لا يخيب وعده أبدا . قالوا : أنت تطمع في فضل الله كثيرا ! قلت : بهذا أمرنا ؟ قالوا : كيف ؟ قلت : قد نادانا “يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا” قالوا : لكنه قال بعدها :”وأنيبوا إلى ربكم” قلت : أنا أكثر الناس إنابة ! قالوا : كيف ؟ قلت : كلما عصيته أنبت .

الخاطرة الرابعة عشرة:

قالوا تعصي العظيم وغرك أنه أمهلك ! قلت : بل أفرحني أنه أمهلني لأتوب ! قالوا : ربما أمهلك استدراجا لتزداد معصية فيهلكك ! قلت : ولكنني أتوب وهذا يكذب ظنكم ! قالوا : ولكنك تعصي والمعصية سبب الهلاك . قلت : كلا ، التوبة سبب الغفران ومنع الهلاك . قالوا : كيف ؟ قلت : قد قال ربي “وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”.

الخاطرة الخامسة عشرة:

قالوا تعصي العظيم ؟ قلت : نعم أعصيه . قالوا : وتتبجح وتجاهر بالمعصية ؟ قلت : سبحان الله ! هل أكذب وأدعي العصمة ؟! قالوا : أليس هذا جهارا بالمعصية ؟ قلت : كلا . قالوا : وما المجاهرة إذن ؟ قلت : أن تذكر معصية بعينها وتصفها تفاخرا بها . قالوا : وبم تسمي ما أنت فيه ؟ قلت : إقرار . قالوا : ولماذا تقر ؟ قلت : لأنكسر له تعالى ، فهذا قمة العبودية ، وقد قال العارفون : معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت غرورا واستكبارا . قالوا : إذن أقررنا أننا نعصيه مثلك !

Open post

خواطر (لماذا الصمت؟) 11 خاطرة

سلسلة خواطر (قالوا لماذا الصمت) يكتبها الدكتور/ بلال طلب

الخاطرة الأولى:

قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : ولماذا أتكلم ؟ قالوا : لترتاح . قلت : تكلمت حتى تعبت ، فلما صمت ارتحت . قالوا : إلى متى : قلت : إلى أن أجد آذانا صاغية . قالوا : إذن يطول بحثك! قلت : إذن يطول صمتي !!

الخاطرة الثانية:

قالوا : لماذا الصمت؟ قلت : ولماذا أتكلم؟ قالوا : تبث همك ليسمعك الناس. قلت : الناس يحتاجون من يسمعهم في بث همومهم. قالوا : فما العمل؟ قلت : “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله” قالوا : قد هديت الرشد. قلت : من فضل ربي.

الخاطرة الثالثة:

قالوا : لماذا الصمت؟ قلت : لا أحب الجدال ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ـ أي الجدال ـ ولو كان محقًا ” . قالوا : تكلم مع من لا يجادل . قلت : ما أقل هؤلاء ! قالوا : نعم ، ولكن إذا اجتهدت وجدتهم . قلت : قد اجتهدت مرة فوجدت واحدا . قالوا : تكلمت معه ؟ قلت : وجدته يحب الصمت والصامتين لئلا يدخل في جدال . قالوا : أعانك الله ! قلت : آمين .

الخاطرة الرابعة:

قالوا لماذا الصمت ؟ قلت : ولماذا أتكلم ؟ قالوا : لن تتحمل ما بداخلك فأخرِجْه . قلت : كذلك الناس مثلي لا يتحملون ما بداخلهم ، فكيف أُثقِلهم بهمي على همومهم . قالوا : إذن تبث لهم همك ، ويبثون لك همومهم . قلت : ولماذا ما دام أحدنا لا يتحمل هموم الآخر ولا يغني عنه شيئا ؟ قالوا : فضفضة . قلت : إذن فضفِضوا مع من يدعوكم في جوف الليل ، ولا يمل من شكواكم ، ومع كل ذلك يملك كشف الضر عنكم .

الخاطرة الخامسة:

قالوا لماذا الصمت ؟ قلت : ولمن أتكلم ؟ قالوا : إلى من تحبه . قلت : لحبي لهم لا أشغلهم بهمي . قالوا : إذن إلى من يحبك ؟ قلت : أحبوني لأني لا أشغلهم بهمي ، ولو شغلتهم ما أحبوني . قالوا : ألا تجد من يحبك ويحب أن يسمع همك ؟ قلت : نعم وجدت . قالوا : من؟ قلت : من يجيب المضطر إذا دعاه .

الخاطرة السادسة:

قالوا لماذا الصمت ؟ قلت : وإلى من أتكلم ؟ قالوا : إلى الناس. قلت : وهل صمت إلا بسببهم ؟! قالوا : كيف ؟ قلت : تكلمت معهم فما أقالوا لي عثرة ، ولا رحموا لي دمعة ، ولا فكوا لي كربة ، ولا قبلوا لي فكرة ، فرأيت الصمت أسلم للمرء وأحفظ لماء وجهه.

الخاطرة السابعة:

قالوا : لماذا الصمت ؟قلت : وماذا صنعتم أنتم بالكلام، أخبروني فإن وجدتكم جنيتم منه خيرا اقتديت بكم. قالوا : نصدقك القول ما جنينا منه إلا شقاوة النفس وكسر الخاطر وحزن القلب. قلت : فلماذا تستنكرون صمتي. قالوا : نحسدك عليه. قلت : أعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد.

الخاطرة الثامنة:

قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : وبم أتكلم ؟ قالوا : تكلم بما تريد . قلت : رأيت الناس لا يسمعون إلا ما يريدون ، فإذا تكلمت بما أريد فأنا ـ عندهم ـ متفلسف أو جاهل أو مكابر ، وفي أحسن أحوالي (إنسان غريب ) قالوا : إذن تكلم بما يريدون خير لك من الصمت . قلت : بل الصمت خير لي ، به أحفظ كرامتي ، ولا أكون إمّعة .

الخاطرة التاسعة:

قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : وبم أتكلم ؟ قالوا : تكلم بالخير . قلت : لاقتصاري على ذلك عددتموني صامتا ، ولو زدت عليه لما سألتموني . قالوا : ولكنك قليل الكلام . قلت : الخير لا يحتاج إلى كثير الكلام .

الخاطرة العاشرة:

قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : ولماذا تسألون ؟ قالوا : نسأل لصمتك ؟ قلت : ولماذا لا تصمتون عن السؤال لصمتي ؟ قالوا : الأصل أن تتكلم فسألنا عما يخالف الأصل . قلت : بل الأصل أن أصمت . قالوا : كيف ؟ قلت : الصمت أسبق وأولى . قالوا : وضح لنا . قلت : خُلق الإنسان صامتا قبل أن يتكلم فهو أسبق ، والكلام يحتاج إلى تحريك لسان وشفتين وبذل مجهود ، والصمت لا يحتاج إلى ذلك ، وما لا يحتاج إلى مجهود أولى . قالوا : رغم مجهود الكلام إلا أنه مريح . قلت : والصمت مريح بلا مجهود . قالوا : نشك أن الصمت مريح . قلت : من ذاق عرف .

الخاطرة الحادية عشرة:

قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : وما شأنكم ؟ قالوا : نراك صامتا ضعيفا ! قلت : بل متكلم قوي ! قالوا : كيف ؟ قلت : صمتي معكم جعلني أتكلم مع ربي أبث إليه همي فقوي إيماني ، وعلمني التحمل والصبر فقويت نفسي . قالوا إذن نحن المساكين . قلت : كما ترون في أنفسكم .

Open post

خواطر (علمتني الحياة) 99 خاطرة

خواطر علمتني الحياة يكتبها الدكتور/ بلال طلب

علمتني الحياة (1)

علمتني الحياة أن من ملك مفتاح الباب فتحه بأسهل ما يكون ، ومن فقد المفتاح فتحه بكسره بأصعب ما يكون ، وكذلك قلوب الناس لها أبواب ، فتعلموا مفاتيح الأبواب يسهل عليكم فتح القلوب وامتلاكها .

علمتني الحياة (2)

علمتني الحياة أن المرأة أحن الناس في رضاها ، وأقسى الناس في سخطها ، وأن الصالحة العاقلة أحن الناس في رضاها ، ولن تكون أقسى الناس في سخطها .

علمتني الحياة (3)

علمتني الحياة أن كريم المعدن حقا يعطي ويجود ـ ولو بمشاعر طيبة ـ قبل أن يأخذ ، ودون أن يأخذ ، ودون أن يشترط ، فإذا وجدت من يعطي بعد أن يأخذ أو انتظار أن يأخذ أو بشرط فاعلم أن معدنه مغشوش وكرمه مدخول .

علمتني الحياة (4)

علمتني الحياة أنك كثيراما تضطر أن تكون كالخضر عليه السلام ، فتخرق سفينة أو تقتل غلاما فيظنك الناس شيطانا رجيما ، أو تبني جدارا بلا فائدة فيظنوك  أبله لا تفهم ، فلو التفت إليهم لخسرت كثيرا ، فانطلق في طريقك كما انطلق الخضر ما دام معك من الله برهان ولو كان المستنكِر عليك في مكانة موسى عليه السلام (وهيهات) .

علمتني الحياة (5)

علمتني الحياة أن لا أكون ابن لحظتي متناسيا اللحظة السابقة ، غير متوقع للحظة التالية ، بل آخذ من اللحظة السابقة من الخبرات ما أستعين به على اللحظة الحالية ، وأصبر في اللحظة الحالية متوقعا الفرج في اللحظة التالية ، فما أشد بؤس هؤلاء الذين يغضبون في لحظتهم ويرون الدنيا سوداء أمامهم ، وقد نسوا كم من مرة غضبوا قبلها فندموا على ما قالوا وفعلوا ، فلم يبنوا مستقبل لحظتهم على مستقبل اللحظات السابقة ، ومن لم يتعلم من الماضي فلن يرحمه المستقبل .

علمتني الحياة (6)

علمتني الحياة أن معادن الناس تظهر في وقت ضيقهم وغضبهم ، أما الكرم في وقت الرضا وتبادل المنافع والمصالح فيحسنه كل الناس .

علمتني الحياة (7)

علمتني الحياة أن أصون عدوي في عرضه ، وألا أخون صديقي ولو في نعله ، فمن الخسة إدخال الأعراض في العداوات ، ومن الوفاء حفظ الصديق ولو في أقل الأشياء .

علمتني الحياة (8)

علمتني الحياة أن الهم مصانع الرجال ، ومزالق الصبيان ، فعش رجلا ، للهموم محتملا ، على الأهوال مصطبرا ، ولا تبث همك إلا لمن يملك كشفه ، وسوف يورثك ذلك علما من الله لا يعلمه غيرك ، فإن الله تعالى قال “وأعلم من الله مالا تعلمون” بعد أن قال “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله” .

علمتني الحياة (9)

علمتني الحياة أن وراء كل عظيم أمًا ربته ، أو أختا واسته ، أوزوجة لم تشغله بشكواها وأنينها ، وأن أعظم العظماء من اجتمع له الثلاثة .

علمتني الحياة (10)

علمتني الحياة أن من أراد أن يتركك سيتركك وإن صنعت له المعجزات ، فالترك قرار ذاتي ، ثم تأتي بعد ذلك المبررات ، فيضخم الصغير ، ويصغر الضخم ، وتختلق الأسباب ، وتصطنع الحجج ، كل ذلك لتحسين الصورة .

علمتني الحياة (11)

علمتني الحياة أنك ستلقى فيها أناسا مهمتهم أن تختبر فيهم مدى صبرك وتحملك للابتلاء ، فاصبر “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” .

علمتني الحياة (12)

علمتني الحياة أن الأزمات خير معلم ، وأن أزمة واحدة تديرها بحكمة وتجعلها كتاب حياة للتعلم واكتساب الخبرات ـ خير من قراءة ألف صفحة .

علمتني الحياة (13)

علمتني الحياة ألا ألبي طلب أحد تحت ضغط وإلحاح حتى ولو أكثر من البكاء ، فكر بهدوء وأعط لنفسك الوقت الكافي لاتخاذ القرار بشكل صحيح ، ودعه يتعلم ألا يبكي إلا لله تعالى .

علمتني الحياة (14)

علمتني الحياة أن أنصح مرة ، ثم أنصح ثانية ، وفي الثالثة “هذا فراق بيني وبينك” دعه يفعل ما يشاء فلن يتعلم إلا إذا كُوي بنار التجارب .

علمتني الحياة (15)

علمتني الحياة أنك أحيانا تضطر لأن تتخذ قرارات مُرة ، وأن تدوس على قلبك ، وإن لم تفعل ستكون النتائج أمرّ .

علمتني الحياة (16)

علمتني الحياة أن العظيم حقا هو من لا يشعرك بأنه عظيم ، بل يشعرك بأنك عظيم ، وهؤلاء الذين يكثرون من الحديث عن أنفسهم ومآثرهم ومناقبهم هم أكثر الناس جهلا وأبعدهم عن الحق والعظمة .

علمتني الحياة (17)

علمتني الحياة أن ما ضاع لا تنتظره حتى ولو كان ضياعه مصيبة لك ، فإن انتظاره مصيبة ثانية وألم أشد من ضياعه ، فتعزّ بغيره ووطّنْ نفسك أن تعيش بدونه ، فإن عاد كان ذلك أدْعَى إلى شكر نعمة الله عليك بأن رد عليك ما لم تكن تفكر فيه ، وإن لم يعد كنت قد كُفِيت شر مصيبة ثالثة لو كنت تنتظره .

علمتني الحياة (18)

علمتني الحياة أن الأمور دُوَل ، فلا تظن في أي موقف أنها الجولة الأخيرة ، فما زال للقطار محطات ومحطات ، وكم من أمر نظن أنه انتهى وأن صفحته قد طويت، فإذا بنا نجده كأنه لم يبدأ بعد ، وأن ما حدث كان مجرد تمهيد لبدايته .

علمتني الحياة (19)

علمتني الحياة أنه ما من إنسان إلا ولا بد أن يحدث في حياته ما لم يتوقعه لنفسه ، بل ربما كان ينتقده على الآخرين أو يحسب نفسه أنه أبعد ما يكون عن هذا الشيء ، فسبحان من يعلم الغيب !

علمتني الحياة (20)

علمتني الحياة أن مَن أكثر مِن انتقادك والهجوم عليك إما حاسدا أو محبا فقدَ قُربك ، فإن كان يتمنى ساعة قربك فهو شديد الحب لك ، وإن كان يتمنى ساعة موتك فهو حاسدك .

علمتني الحياة (21)

علمتني الحياة أن المرء لا يعلم قيمة ما في يده حتى يفقده ، ولا يتحسر على ما فقده حتى يرى أسوأ منه .

علمتني الحياة (22)

علمتني الحياة أن من أحبك فعل ما تريده أنت ليرضيك إن كان في استطاعته ، فإن فعل ما يريده هو بحجة أنه يحبك ويفعل ما  فيه مصلحتك ـ فإنما يحب نفسه .

علمتني الحياة (23)

علمتني الحياة أن الخطأ خير سبيل لمعرفة الحقيقة ، وأن أكثر الناس حكمة وخبرة هم من تعلموا من أخطائهم ، اعترفوا بها واعتذروا عنها أولا ، ثم أصلحوا ما نتج عنها من مفاسد ثانيا ، وأخيرا لم يكرروها في مستقبلهم ، أولئك العقلاء ! أولئك الحكماء !!

علمتني الحياة (24)

علمتني الحياة أن أثمن ما فيها هو الوقت ، فهو عدة الجاهل ليتعلم ، وأداة الفقير ليغنى ، وزاد المؤمن ليرضي ربه ، وهو قسمة الله السوية بين خلقه ، به يتفاوت الناس في الدين والدنيا .

علمتني الحياة (25)

علمتني الحياة أن الحب مع العقل بهما كمال الحياة ، وهما وجهان لعملة واحدة اسمها الجمال ، فحب بلا عقل طيش وتهور وسوء تصرف ، وعقل بلا حب جمود وتفلسف ومنطقية مُفْرِطة لا يتحملها أصحاب العواطف الرقيقة .

علمتني الحياة (26)

علمتني الحياة أنها بحلوها ومرها ، بجميلها وقبيحها ، بفرحها ونكدها ، بسعادتها وتعاستها ، بسعتها وضيقها ، بيسرها وعسرها ، بسرائها وضرائها ـ كلها خير ، فمن يعش مع الله يعلم أن تقلبات الأحوال من سنته تعالى في خلقه ، وأن له حكمة في كل حال .

 

علمتني الحياة (27)

علمتني الحياة أن أصاحب العقلاء من كل الاتجاهات والمذاهب ، فلا تسألني عن اتجاه الرجل ، ولكن سلني عن عقله وكيف يتصرف ويحاور حين نختلف .

علمتني الحياة (28)

علمتني الحياة أن أفضل ما تشغل به فراغ وقتك هو القراءة ، بها تدرك خبرة السابقين ، ومنها تغترف حكمة لحاضرك ، وعنها تأخذ هدفا لمستقبلك .

علمتني الحياة (29)

علمتني الحياة أن أعرف الفضل لأهله مهما صغر الفضل ومهما كان شأن أهله ، وأن منكري فضل الآخرين إنما ينكرون فضل أنفسهم ، لأن من الفضل معرفة فضل أهل الفضل .

علمتني الحياة (30)

علمتني الحياة أن أكون حذرا ، فلا أبالغ في مدح شخص أمام آخر يتمنى أن يكون مكان الممدوح ، وإلا أحزنت قلب من أمامي ، وأوغرت صدره تجاه من مدحته .

علمتني الحياة (31)

علمتني الحياة أن المبادئ لا تتجزأ ، فمن كان وفيا لك في وقت دون آخر فاعلم أنه خائن ، وأن وفاءه في هذا الوقت كان لمصلحة شخصية ، فلما ذهبت ذهب الوفاء .

علمتني الحياة (32)

علمتني الحياة أن أعيش فيها غير راض بمقسوم الأسباب ، بل أسعى دائما للتحسين والتطوير واكتساب المهارات والمعارف ، والرضا بالمقسوم الذي يأمرنا به ديننا إنما هو الرضا بالنتائج بعد الاجتهاد في السعي .

علمتني الحياة (33)

علمتني الحياة أن جزءا كبيرا من علاج كثير من الأزمات هو مرور الوقت ، فبه تهدأ النفوس ، وتزداد المعرفة ، وتنكشف الحقائق ، فاصبر فإن الفرج قريب .

 

 

علمتني الحياة (34)

علمتني الحياة ألا أُبتزّ في أي موقف ، حتى لو أدى ذلك إلى فضيحتي ، فالمبتز إن أجبته إلى ما يريد فاعلم أنها البداية ، ولن ينتهي في ابتزازه ، بل سيطلب المزيد ، حتى إذا استكفى منك فضحَك بما كان يبتزك به .

علمتني الحياة (35)

علمتني الحياة أن الدنيا سيارة كبيرة ، ما صُنعت لكي تسير إلى الوراء إلا بضعة أمتار لتعدل من وضعيتها لتنطلق في الاتجاه الصحيح ، فلا تنظر إلى الوراء إلا بمقدار ما تأخذ العبرة وتصحح الأخطاء لتنطلق إلى مستقبل أفضل .

علمتني الحياة (36)

علمتني الحياة ألا أبحث عما يضرني ، ولا أسأل عما تؤذيني إجابته ، ولا أفتش فيما ينكد عليّ عيشتي ، فإن جاءني إلى موضع قدمي دون بحث مني فهو القدر الذي يجب أن أصبر له وأحتسب فيه ، وإن كنت أنا الذي بحثت عنه فهو البلاء الذي أعاقَب به .

علمتني الحياة (37)

علمتني الحياة انها جنة ونار كالآخرة تماما ، وحياة الأشقياء فيها نار كمصيرهم في الآخرة وإن سكنوا القصور والتحفوا الحرير ، وحياة السعداء فيها جنة كثوابهم في الآخرة وإن افترشوا التراب والتحفوا السماء وتوسدوا ذراعهم .

وهذا كحال المرأة الولود والمرأة العاقر ، الأولى في نعمة وجنة رغم هموم الحمل ومخاض الولادة ومتاعب التربية ، والعاقر في شقاء ونار وحرمان رغم أنها لم تذق آلام الولود .

علمتني الحياة (38)

علمتني الحياة أن التغيير ينبع من داخل الإنسان ، وأن الإرادة هي محور التغيير ، والمعرفة ستأتيك تباعا ، وستتعلمها شيئا فشيئا ، المهم أن تبدأ بإرادة وعزيمة .

علمتني الحياة (39)

علمتني الحياة أن الجدال وكثرة العتاب عناء وإرهاق ومضيعة للأوقات وزيادة في المشاحنات، يكفي المخطئ أن يقول “تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين” ويكفي من ظُلِم أن يقول ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين”

علمتني الحياة (40)

علمتني الحياة أن الوفاء ومعرفة الجميل أعظم الأخلاق ، وأن معدن الناس يقاس به ، وأن من خانك فاحمد الله أنه أظهر لك معدنه ، وإن خسرت القليل بفقده فقد كسبت الكثير بمعرفة حقيقته .

علمتني الحياة (41)

علمتني الحياة أن الشكوى للناس ـ في غير استشارة أو تحاكم ـ مذلة للفتى ، مُذهبة للرجولة ، منقصة للشرف ، مدعاة إلى زيادة الحزن ، هذا كله إن أجابوك في شكواك ورحموا دمعتك ، فما بالك إذا لم تجد مجيبا ؟! حينها كبر على نفسك أربعا ووارِ نفسك التراب !!

علمتني الحياة (42)

علمتني الحياة أن المبالغات في تقييم الأشخاص والمواقف شر عظيم ، بها يحسب المرء أن الدنيا سوداء مظلمة ، وأن من حوله شياطين أبالسة ، وأن الأقدار كلها شر عليه وضده ، فمثل هؤلاء يحتاجون فقط أن يتعلموا أن الحياة أهون من هذا كله .

علمتني الحياة (43)

علمتني الحياة أن الحياة ـ حق الحياة وقرة عين الحياة ويقين الحياة ـ حياة القرآن ، وبدونه لا حياة .

يظنون أنفسهم يحيون بمطعم ومشرب ، ولو علموا حقيقة حياة القرآن لأيقنوا أنهم بلا حياة ؛ أموات غير أحياء .

علمتني الحياة (44)

علمتني الحياة أن أحلم بلا قيد ولا واقعية ، بل أترك لنفسي أن تحلق في السماء السابعة ، فسعة الخيال متعة لمن جربها ، لكن عندما أتصرف وأنفذ فللحياة والواقع سنن وقوانين تتعلق بحسن التدبير والتخطيط ، وإمكانيات التمويل واحتساب المخاطر .

علمتني الحياة (45)

علمتني الحياة أنه ليس كل من يعجبك فيها يكون صالحا ، وليس كل من أحببته يكون نافعا لك ، قال تعالى “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام” وقال “ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم” .

فاعجب بمن شئت وأحبب من شئت ، ولكن إياك أن تتصرف إلا بمنطق العقل والحكمة .

علمتني الحياة (46)

علمتني الحياة أن القياس ليس أصلا فقهيا فحسب ، بل هو في كل شئون الحياة ، ومن لم يَقِسْ حاضره على ماضيه فلن يتعلم ، ومن لم يقس مستقبله على حاضره فلن ينجح .

علمتني الحياة (47)

علمتني الحياة أن التوفيق والسداد وحل كل مشاكلك أقرب إليك من حبل الوريد ، القضية كلها تكمن في سؤالين : ماذا تعلمت منها ؟ وماذا قدمت لحلها ؟ والإجابة على السؤالين لك وحدك في غرفة مغلقة في ظلمة الليل مع الله ، تجلس متدبرا لتجيب عليهما .

علمتني الحياة (48)

علمتني الحياة أن إرضاء كل الناس في موقف واحد غاية لا تدرك ، وأن إرضاء شخص واحد في كل المواقف غاية لا تدرك ، وأن إرضاء امرأة واحدة في موقفين متتاليين غاية لا تدرك إلا بشق الأنفس ، فأرح نفسك وأرضِ الله كفى .

علمتني الحياة (49)

علمتني الحياة أن عامة الناس تقاد من قلوبها بعواطفها ، وهذا هو الطبيعي ، وطائفة منهم مذمومة تقاد من شهواتها ورغباتها ، أما صفوة الخلق فيأبون أن يقودهم أحد إلا من عقولهم .

علمتني الحياة (50)

علمتني الحياة أن أكثر من صنعت فيهم جميلا ومعروفا سوف يتنكرون لك ، ابتلاء من الله لك لتفعله خالصا لوجهه الكريم ، وفضلا من الله عليك ليخبرك بحقيقة الناس

 

علمتني الحياة (51)

علمتني الحياة أن ما نجده فيها هو عين ما نبحث عنه ، فمن بحث عن الشر وجده ، ومن بحث عن الخير تلقاه من بعيد ، ومن بحث عن المصائب أخذ حظه الوافر منها ، ومن بحث عن الشقاء عاش شقيا ، ومن بحث عن العيوب في الآخرين رآهم شياطين تمشي على الأرض ، فلا تلوموا الأقدار ، ولوموا أنفسكم فيما تبحثون عنه.

علمتني الحياة (52)

علمتني الحياة أنها ما بين إقبال وإدبار ، فإذا أقبلت عليك فاعرف حق الله ، ولا يشغلنك سراؤك عن ضراء غيرك ، وإذا أدبرت عنك فتلك والله المفازة الكبرى “فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب” خير وفير ، وجبال حسنات ، ودعاء وتضرع إلى الله .

علمتني الحياة (53)

علمتني الحياة أن المتعصبين فيها لآرائهم هم أجهل الناس دينا ودنيا ، فلو قرءوا الفقه حقا لعلموا أن أغلبه اختلافات رغم أنه مبني على الوحي ، ولو قرءوا الحياة حقا لعلموا أنهم أنفسهم كانوا يرون آراء بالأمس ورجعوا عنها اليوم ، وهذا يعني أن ما يتعصبون له اليوم ربما يرجعون عنه غدا ، فلماذا التعصب إذن ؟!

علمتني الحياة (54)

علمتني الحياة أن أنظر إليها كما هي ، لا كما أحب وأتمنى أن أراها ، فمن نظر إليها وعرفها كما هي لم يصدم بنكباتها ، ولم يتعجب من تقلباتها ، ولم يؤذه غوائلها، وتوقع الشر كما يتوقع الخير ، وعرف الناس على حقيقتهم ، أما الثاني الذي يعرف الحياة كما يتمناها فمسكين ، تؤذيه الكلمة ، ويهلكه الموقف ، وربما يقتل نفسه منتحرا للخيانة .

علمتني الحياة (55)

علمتني الحياة أن الحزن والفرح ، والعسر واليسر ، والضيق والسعة ـ ليسا ضدين، بل هما متكاملان وقرينان ، يأتي أحدهما ليبشر بالآخر ، فلولا العسر ما كان لليسر طعم ولا معنى ، ولو كانت الدنيا كلها سعة وفرحا لركن الإنسان إليها وما لجأ إلى ربه ، ومن جميل تعبير القرآن “فإن مع العسر يسرا” فجعل المعية بينهما فلا يقدر الله عسرا إلا ويقدر مع اليسر ، ولكن لحكمة يعلمها كشف لك العسر أولا لتنتظر معه اليسر .

 

علمتني الحياة (56)

علمتني الحياة ألا أخاف ممن يظهر عداوته بقدر ما أخاف ممن يتظاهر بأنه يحبني، الأول تأمن جانبه ، والثاني لا تخشى غوائله وخيانته ، فأيهما أولى بالخوف أكثر ؟!

علمتني الحياة (57)

علمتني الحياة أن الله تعالى يغار على عبده الصالح ، فإذا رأى منه انشغالا بغيره ناداه ، وإن أحب دعاءه ابتلاه بما يضطره إلى مناجاته ، وإذا رأى منه إدبارا عنه دبر له ما يجعله يقبل عليه ، فسبحان من يحب عباده ويدبر لهم !

علمتني الحياة (58)

علمتني الحياة أن الحكيم فيها يعيش الأزمنة الثلاثة معا ـ الماضي والحاضر والمستقبل ـ فيعمل في حاضره لمستقبله مسترشدا بماضيه ، فإن عمل في حاضره بلا ماض كان أبله يكرر نفس الخطأ ، وإن عمل بلا مستقبل كان أحمق لا يقدر عواقب الأمور .

علمتني الحياة (59)

علمتني الحياة أن المواجهة والمصارحة هي خير سبيل لحل المشكلات ، مهما استحييت ممن تواجهه ، ومهما كان حجم المخاطر ، ومهما كلفك ذلك من جهد وعناء ، فإن المواجهة تظل أفضل علاج ، وبقي فقط أن نتعلم فقه المواجهة حتى لا تأتي بنتائج عكسية .

علمتني الحياة (60)

علمتني الحياة أن المرأة نوعان : امرأة تعرف فضلك عليها ، وترضى منك بأقل القليل ، وتشعرك أنك مصدر عزها وفخرها ، وتستنصر بك لا عليك .

وأخرى تعرف فضلها عليك ، ولا ترضى منك بشيء ولو أعطيتها فوق ما تستحق ، وتشعرك بأنك مصدر شقائها وأنها تتحملك كثيرا ، وتستنصر بغيرك عليك .

فاستمسك بالأولى فإنها كنز أصيل ولو كانت لا تصلي إلا خمسها ولا تصوم إلا شهرها ، وإياك والثانية فإنها لا خير في زيجتها وإن كانت قوامة صوامة .

 

علمتني الحياة (61)

علمتني الحياة أن الناس في معرفة الحقائق ثلاثة : رجل يعرف الحقيقة قبل أن تقع ، وثان يعرفها حين تقع ، والثالث لا يعرفها وإن وقعت .

فالأول حكيم : يعرف النتائج من خلال المقدمات ، له بصيرة وعقل وفكر يستطيع به أن يتوقع المستقبل ، وأن يعرف ما يُدبر من فلتات اللسان ولحن القول ، وأن يقرأ صفحة المستقبل ويعمل لها حسابها ، وسبحان من “يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ” .

والثاني هو العادي ، يعرف الحقيقة حين وقوعها ، فليس له عقل مستنير يستنبط به عواقب الأمور ، ولكن يُحسب له أنه أقر بالحقائق حين وقوعها .

والثالث سفيه ، لا يعرف الحق ولا الحقيقة وإن وقعا واتضحا ، ينكر الحق وإن تواترت أدلته ، ويجحد الحقيقة وإن ظهرت شواهدها ، يفكر بهواه ويلوي عنق الحقائق الظاهرة ليثبت ما يشتهيه . فهؤلاء العالة والحمل الثقيل ، يرون غيرهم سفهاء وهم أسفه الناس ، هم بلاء الحكماء ويحسبون أن الحكماء بلاؤهم ، والسفهاء عند الحكماء كالحكماء عند السفهاء ، كلاهما زاهد في الآخر . وسوف يجتمعون عند الله يوم القيامة ليعلموا ” أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ” .

علمتني الحياة (62)

علمتني الحياة أن أبغض الناس إلى قلبي من يدّعي التدين والحديث عن الله ويشعرك أن الله تعالى له هو وحده وكأنه ليس رب الجميع ، ويتعالى بتدينه على الناس ، فإذا ما جاء وقت امتحان هذا التدين المقيت في موقف نزاع أو اختلاف على مال مثلا ـ وجدته أكثر الناس تضييعا للحقوق وانتهاكا لحدود الله وكذبا وادعاء بالباطل ، قد رأيت هذا النموذج في حياتي كثيرا حتى أصابتني الحيرة في هؤلاء !

علمتني الحياة (63)

علمتني الحياة أن الإنسان ـ إذا أراد الله به الخير ـ يقر بظلمه في حالتين ؛ عندما يرى عاقبة ظلمه الوخيمة في الدنيا (فلما رأوها قالوا إنا لضالون … إنا إلى الله راغبون) وعندما يرى أن الله رفع قدرمن ظلمه (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فاصبر على ظلم من ظلمك ، فإما أن يريه الله عاقبة ظلمه ، وإما أن يرفع الله مكانتك عليه ، أما إن أراد الله به شرا فإنه لا يرى شيئا من هذا ، بل ربما يكون من الذين (يحسبون أنهم يحسنون صنعا) وهؤلاء من قال الله تعالى فيهم (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) .

علمتني الحياة (64)

علمتني الحياة أن أفضل علاج لهمومك وأحزانك أن تفعل ما يجب عليك في حياتك، استيقظ من نومك ومارس حياتك بشكل طبيعي ، فلا تقصر في عمل ، ولا تغلق على نفسك بابك حزينا كئيبا ، وأد حق الله وحقوق الآخرين ، ودع الله يدبر لهمومك ( ولسوف يعطيك ربك فترضى)

علمتني الحياة (65)

علمتني الحياة أن الابتلاء يأتي للإنسان فيما يوجعه ، ولو تُرك لكل واحد أن يختار ابتلاءه لما كان ابتلاء ، فاصبر على ما ابتليت فيه ، واعلم أنه بقدرك عند الله يكون ابتلاؤه لك ، وأشرف شيء في الابتلاء أنك على سنن المرسلين ؛ فإنهم أشد الناس بلاء .

علمتني الحياة (66)

علمتني الحياة أن كل شيء فيها يسير يتدبير إلهي خفي ، وليس كل ما تظنه أو تعتقده يكون صحيحا ، وقد يكون أشد ما تكرهه الآن وتلح على الله في الدعاء بأن يزيحه عنك ـ هو عين ما تبحث عنه غدا وتتمناه (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) .

علمتني الحياة (67)

علمتني الحياة أن التربية الصحيحة هي تربية العقول والقلوب قبل عمل الجوارح ، وتكسير معاني الجاهلية في الفكر والقلب قبل تكسير الأصنام على الأرض ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كسر أصنام الجاهلية إلا بعد أكثر من عشرين عاما من دعوته حين فتح مكة ، أما تحطيمها في النفوس فقد بدأه منذ أن قال له ربه (اقرأ) .

علمتني الحياة (68)

علمتني الحياة أن الفهم قبل الإخلاص ، والعلم قبل العمل ، فربما تخلص على شيء باطل لم تفهمه ، وربما تعمل بكيفية تجعلك تفشل لأنك لم تتعلمه ، وقد ابتليت الأمة بأقوام مخلصين عاملين ، ولكنهم شر بلاء ؛ لأنهم بلا فهم ولا علم .

علمتني الحياة (69)

علمتني الحياة أنني لست محور الحقيقة ولا مركز الكون ، وما أضل هؤلاء الذين ينظرون إلى أنفسهم هكذا! ، فالحق عندهم ما اعتقدوه ، والصواب ما حسبوه ، والأخيار من الناس من وافقهم ، واللعنة على من خالفهم ، وهذا حال الكثير منا ، بل حال بعض من يظن نفسه ينتقد هذا المسلك وما يدري أنه متلطخ بهذه اللوثة .

علمتني الحياة (70)

علمتني الحياة أن من يحبك حقا يرى محاسنك منقبة ، ويرى عيوبك غير منقصة ، ثم سعى في مساعدتك في علاجها ، ومن لم يحبك رأى محاسنك شيئا عاديا ، ورأى عيوبك مذمة ، ثم سعى في نشرها بدعوى أنه يحذر الناس منك ، أو أنه لا يسكت على باطل !!

 

خواطر (علمتني الحياة71)يكتبها بلال طلب

علمتني الحياة أن ما أنت فيه محطة فقط ، وما زال في جعبة الأقدار الكثير ، فمن ظلمك اليوم سترى عاقبته غدا ، ومن أخطأ في حقك الآن فسترى ندمه بعد حين ، ومن أنكر فضلك فسيذوق من نفس الكأس ، وإن غدا لناظره لقريب ، فاجعل لسان مستقبلك (فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا) ولسان حالك (فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب) .

علمتني الحياة (72)

علمتني الحياة أن خير استثمار لك في الدنيا والآخرة هو ما تستثمره في أهلك وأولادك ، فاهتم بهم وارعهم وأعطهم ما شاءوا من حنان وعلم ، وما استطعت من نفقة ( فخيركم خيركم لأهله) .

علمتني الحياة (73)

علمتني الحياة أن أتكلم إذا اشتهيت الصمت ، وأن أسكت إذا اشتهيت الكلام ، فإن تكلمت وأنا أشتهي الكلام كثر خطئي ، وإن سكت وأنا أشتهي  السكوت سكت عن حق وجب بيانه ، جرب ذلك وسترى بنفسك .

علمتني الحياة (74)

علمتني الحياة أن كل مواقفك فيها ما بين إنذار أو فرصة ، إما أن يكون إنذارا ينبهك الله به على شيء مهم ، أو فرصة يمنحها الله لك لتستغلها ، وبمقدار ما تكون متفكرا في كل ما يحدث لك تكون موفقا في حياتك ، قال تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) .

 

علمتني الحياة (75)

علمتني الحياة أن العين مفتاح القلب ودليله ، فالعين التي تبحث عن أخطاء الآخرين دليل على قلب أسود مغلول ، والعين التي تبحث عن فضائل الآخرين إنما تعبر عن قلب أبيض سليم ، فالعين كاشفة عن قلب صاحبها وليست كاشفة عن الآخرين .

علمتني الحياة (76)

علمتني الحياة أن من أكبر الأخطاء فيها التهويل ، والتهوين ، والأول يعني تضخيم  التوافه ، والثاني عدم الاكتراث بالمهمات ، فقبل أن تتصرف أو تُظهر رد فعل ضع الأمور أولا في حجمها الصحيح ، وليكن تصرفك بعد ذلك على قدر هذا الحجم .

علمتني الحياة (77)

علمتني الحياة أنك إذا أذنبت في حق أحد ثم عفا عنك وسامحك فإن ذلك لا يعني أنه قد نسي الذنب ، بدليل أنك لو أخطأت في حقه مرة أخرى حاسبك على المرتين ، فاحرص على ألا تذنب في حق الناس ، ولا تظن أن عفوهم كعفو الله تعالى الذي يبدل السيئات إلى حسنات .

علمتني الحياة (78)

علمتني الحياة أن الدعوة إلى الله سوق كباقي التجارات ، فيها الغث والسمين من البضاعة ، وفيها الأدعياء من الدعاة والمهرة كالتجار تماما ، وفوق كل هذا فيها من يربح بدعوته ومن يخسر ، والفرق الوحيد بين سوق الدعوة وباقي التجارات أن الخاسرين فيها من الدعاة أول من تسعر بهم النار يوم القيامة .

علمتني الحياة (79)

علمتني الحياة أن قيام الليل لن يستقيم لك ولن تستقيم له وتداوم عليه إلا في حالة واحدة ، أن تنسى أنه أجر وثواب وعمل عظيم ، وتتذكر فقط أنه متعة ولذة وشهوة بكل ما تعنيه الكلمة من معان ، فإذا وصلت إلى هذه الحال فلن تفرط فيه .

علمتني الحياة (80)

علمتني الحياة أن معدن الإنسان وحسن خلقه يظهر في حالتين : صبره حين يفقد كل شيء ، وكرمه وسماحته حين يمتلك كل شيء .

 

علمتني الحياة (81)

علمتني الحياة أن ما عشناه من أحداث يجعلنا نعيد حساباتنا في أولويات الدعوة ، بل فيما يعد ذنبا أو كبيرة ، أظن أن من الذنوب ـ إن لم يكن من الكبائر ـ أن يكون المسلم غير واع ، أن يكون مغفلا يقبل كل ما يقال ، ويحكي كل ما يسمع ، ويكفينا في ذلك حديث ” كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ”

علمتني الحياة (82)

علمتني الحياة ألا أخاف حين يحرمني الله وأنا أطيعه ، فهذا يعني أنه يقربني منه لأبتهل في الدعاء ، وأنه يخزن لي الأفضل في العطاء . وأن أخاف حين يعطيني الله وأنا أعصيه ، فهذا يعني أنني سقطت من عينه لدرجة أنه لا يبتليني بما يجعلني أرجع إليه ، بل يتركني أهنأ بمعصيتي استدراجا منه .

علمتني الحياة (83)

علمتني الحياة أن الناس نوعان ، الأول كالقليل من الشاي يأتي على الماء فيجعله أسود ذا مرارة ، والثاني كالقليل من السكر يأتي على الماء الأسود فيصلح ما أفسده الشاي ويجعل منه شرابا ذا مذاق وحلاوة .

علمتني الحياة (84)

علمتني الحياة أن الاهتمام بالآخرين لا يحتاج الى كبير وقت ولا جهد، يكفي بأن يشعر الآخر أنه أفضل شيء عندك وأنك تريد البقاء معه ، فلا تتعللوا بكثرة أعمالكم وانشغالكم في عدم اهتمامكم بمن يجب أن تهتموا بهم ، فلستم أكثر انشغالا من النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يهتم بأهله وأصحابه .

علمتني الحياة (85)

علمتني الحياة ألا أدقق في التفاصيل ، وألا أتوقف عند كل موقف ، فالحياة معقدة لدرجة أنك لا تستطيع أن تفهم كل شيء حدث ويحدث حولك ، تغافل كثيرا لترتاح ، وليكن لسان حالك مع الماضي (قدر الله وما شاء فعل) ومع المستقبل (اللهم دبر لي).

علمتني الحياة (86)

علمتني الحياة أن أبتسم لأسعد ، ولا أنتظر أن أسعد لأبتسم ، ولا تقل : علام أبتسم ؟ بل قل : لماذا لا أبتسم ؟ ولا تظن أن ما تنتظره هو ما سيجعلك تبتسم ، فربما كان ما تنتظره هو سبب ازدياد همك ، ولا تظن أن ما في يدك من الخير لا يكفي لأن تبتسم ، بل يكفي أمة بأكملها لكي تبتسم ، ولكنك غافل عما في يدك كغفلتك عما في مستقبلك .

علمتني الحياة (87)

لا تحسد أحدا على نعمة فأنت لا تدري ما أخذ الله منه ليعطيه هذه النعمة ، ولا تحزن على مصيبة فإنك لا تدري ماذا أعطاك الله وسيعطيك بهذه المصيبة .

علمتني الحياة (88)

لا تخادع أحدا وواجه الناس بالحقائق ، فإن كنت تخشى من صدمته اليوم ، فهو أشد صدمة حين تنكشف  له الحقيقة غدا ، وإن كنت تشفق عليه اليوم فكن أشد شفقة عليه حين يعلمها غدا بعد فوات الأوان ، وإن كنت تكره أن يكرهك اليوم بأنك تقول الحقيقة فاعلم أنه سوف يحبك غدا حين يعلم أنك الوحيد الذي كنت تنصحه وأن غيرك كانوا منافقين وأفاكين حين خدعوه .

علمتني الحياة (89)

علمتني الحياة أن أبدأ قويا ، لأن النهايات كالبدايات ، ومن بدأ ضعيفا انتهى ضعيفا ، وهذا لا يتعارض مع حجم النتائج فلا شك أنها في البداية أقل ، كحال التفوق في الدراسة ، اسأل عن الأول في الدراسة الجامعية وابحث في سيرته سوف تجده الأول حين كان طفلا في الحضانة .

علمتني الحياة (90)

علمتني الحياة أن قصة يوسف عليه السلام ليست قصة أشخاص بعينهم فحسب ، بل هي نموذج لما يحصل في حياة كل واحد منا ، وأنا أتحدى أن يوجد أحد من الناس لا يعيش شخصية في هذه القصة ، فتأمل في حياتك تجد نفسك إما رجلا أصابه الهم بفقد حبيب له كما حدث ليعقوب عليه السلام ، أو شخصا ظلمه إخوته وأقاربه وضحوا به ببخس كما حدث ليوسف عليه السلام ، أو رجلا اتهموه بغير حق وكان ضحية سلطة جائرة كما حدث ليوسف أيضا ، أو رجلا وقف متحيرا أمام عناد امرأته وتبجحها كالعزيز ، أو رجلا ـ أو امرأة ـ وقع في غرام لا طائل منه كامرأة العزيز ، أو رجلا قتله الحسد والغل كإخوة يوسف.

 

علمتني الحياة (91)

علمتني الحياة أن أصون فيها كرامتي وإن دست على قلبي ، وأن أحفظ مروءتي وإن قتلتني رغبتي ، وألا أفقد أخلاقي وإن تجرأ عليّ لئيم بن خبيث .

علمتني الحياة (92)

علمتني الحياة أن أفضل ما تحتاجه فيها خلقان ( الرضا والصبر ) فبالرضا تقنع بالقليل ، وبالصبر تقنع بالكثير ، ولكن من المصائب والتعامل مع البشر .

علمتني الحياة (93)

علمتني الحياة معيارا لا يتخلف أبدا في معرفة المهم وغير المهم ، انظر إلى ما يُقبل عليه الناس لتعرف غير المهم ، أما المهم فالناس في زهد فيه . أظنك الآن عرفت مشاهدة مباريات كرة القدم من أي النوعين ، وتأكدت أن العلم والعمل وطلب المعالي من أي الصنفين .

علمتني الحياة (94)

لماذا تحزن على من اختاروا أن يتركوك ؟ تحزن وكأنهم هم الذين كسبوا وأنت الذي خسرت ، وكأنهم هم المحقون وأنت المبطل ، وكأنهم هم الخير وأنت الشر ! لماذا لا يكون العكس في كل ذلك ؟! أو يكون كل منكما قد كسب بفراق الآخر “وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته” .

علمتني الحياة (95)

علمتني الحياة أن البلوى للمؤمن أولها نجوى ، وأوسطها بشرى ، وآخرها تقوى ، فحين تنزل بك تجعلك واقفا بباب الله تناجيه وتشكو له أمرك ، فإن أحسنت النجوى جاءتك البشرى بما يقذفه الله في قلبك من طمأنينة ويقين وصبر ، ثم أخيرا تنكشف البلوى فتفرح بفرج الله وتزداد بذلك تقوى له تعالى .

علمتني الحياة (96)

علمتني الحياة أن التوحيد ليس فقط ألا تعبد إلا الله ، بل أيضا لا تعبأ إلا بالله ، ولا تسعَ لرضا أحد إلا الله ، ولا يضرك أن تكون مذموما عند كل الناس ما دام الله وحده يعلم نيتك ، ولا ينفعك مدح الناس إذا اطلع الواحد الأحد على قلبك فلم يجدك مخلصا في عملك . لن تستقيم حياتك حقا إلا بالتوحيد في كل هذه الأمور.

علمتني الحياة (97)

علمتني الحياة أن الشرك أوسع من مجرد عبادة صنم من دون الله ، وإلا فماذا تسمي هؤلاء الذين يتصنعون للبشر ويعظمون الظالمين وكأنهم آلهة ، ويخلعون عليهم ألقابا وكأنهم هم من يرزقونهم ، ويتفطرون خوفا حين يقفون أمامهم وكأنهم من يملكون إدخالهم جهنم ؟!

علمتني الحياة (98)

علمتني الحياة ألا أستكثر من الأصدقاء ؛ فالوفاء بحقوقهم أكبر من تحمُّل كثرتهم ، ولكن استكثر من معرفة الناس كيف شئت ، فحق المعرفة يتوقف عند السلام عليه حين تقابله .

وفي هذا سلام للمرء من أذى الناس .

علمتني الحياة (99 والأخيرة)

علمتني الحياة أنها فن وقواعد كأي فن وعلم آخر ، وكلما خالفتُ قواعدها لم أجْنِ إلا الندم ، وأفضل كتاب للحياة هو القرآن ، ففيه مئات القواعد عن فن الحياة ، ووجدت أن ملخص الحياة في القرآن في ثلاث كلمات :

1ـ “وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”

2ـ “نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا”

3ـ “إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد”

ووجدت أن ملخص الملخص في آية واحدة :

“وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ” ووجدت أن ملخص هذه الآية في قوله “ولا تنس” فمشكلة الناس أنهم يعرفون حقائق الحياة ولكنهم ينسونها حين يتصرفون ، وملخص قوله “ولا تنس” في حرف النهي (لا) فلو اعتاد المرء أن يقول لنفسه (لا) ويكون حازما معها لنجا ووصل إلى ذروة الحل في قضية الحياة الدنيا .

(هذه خاتمة سلسلة علمتني الحياة اكتفيت عند هذا القدر تبركا بهذا العدد المتعلق بأسماء الله الحسنى . وعلى موعد مع سلسلة خواطر : حوار مع قلمي)