سلسلة خواطر (قالوا لماذا الصمت) يكتبها الدكتور/ بلال طلب
الخاطرة الأولى:
قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : ولماذا أتكلم ؟ قالوا : لترتاح . قلت : تكلمت حتى تعبت ، فلما صمت ارتحت . قالوا : إلى متى : قلت : إلى أن أجد آذانا صاغية . قالوا : إذن يطول بحثك! قلت : إذن يطول صمتي !!
الخاطرة الثانية:
قالوا : لماذا الصمت؟ قلت : ولماذا أتكلم؟ قالوا : تبث همك ليسمعك الناس. قلت : الناس يحتاجون من يسمعهم في بث همومهم. قالوا : فما العمل؟ قلت : “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله” قالوا : قد هديت الرشد. قلت : من فضل ربي.
الخاطرة الثالثة:
قالوا : لماذا الصمت؟ قلت : لا أحب الجدال ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ـ أي الجدال ـ ولو كان محقًا ” . قالوا : تكلم مع من لا يجادل . قلت : ما أقل هؤلاء ! قالوا : نعم ، ولكن إذا اجتهدت وجدتهم . قلت : قد اجتهدت مرة فوجدت واحدا . قالوا : تكلمت معه ؟ قلت : وجدته يحب الصمت والصامتين لئلا يدخل في جدال . قالوا : أعانك الله ! قلت : آمين .
الخاطرة الرابعة:
قالوا لماذا الصمت ؟ قلت : ولماذا أتكلم ؟ قالوا : لن تتحمل ما بداخلك فأخرِجْه . قلت : كذلك الناس مثلي لا يتحملون ما بداخلهم ، فكيف أُثقِلهم بهمي على همومهم . قالوا : إذن تبث لهم همك ، ويبثون لك همومهم . قلت : ولماذا ما دام أحدنا لا يتحمل هموم الآخر ولا يغني عنه شيئا ؟ قالوا : فضفضة . قلت : إذن فضفِضوا مع من يدعوكم في جوف الليل ، ولا يمل من شكواكم ، ومع كل ذلك يملك كشف الضر عنكم .
الخاطرة الخامسة:
قالوا لماذا الصمت ؟ قلت : ولمن أتكلم ؟ قالوا : إلى من تحبه . قلت : لحبي لهم لا أشغلهم بهمي . قالوا : إذن إلى من يحبك ؟ قلت : أحبوني لأني لا أشغلهم بهمي ، ولو شغلتهم ما أحبوني . قالوا : ألا تجد من يحبك ويحب أن يسمع همك ؟ قلت : نعم وجدت . قالوا : من؟ قلت : من يجيب المضطر إذا دعاه .
الخاطرة السادسة:
قالوا لماذا الصمت ؟ قلت : وإلى من أتكلم ؟ قالوا : إلى الناس. قلت : وهل صمت إلا بسببهم ؟! قالوا : كيف ؟ قلت : تكلمت معهم فما أقالوا لي عثرة ، ولا رحموا لي دمعة ، ولا فكوا لي كربة ، ولا قبلوا لي فكرة ، فرأيت الصمت أسلم للمرء وأحفظ لماء وجهه.
الخاطرة السابعة:
قالوا : لماذا الصمت ؟قلت : وماذا صنعتم أنتم بالكلام، أخبروني فإن وجدتكم جنيتم منه خيرا اقتديت بكم. قالوا : نصدقك القول ما جنينا منه إلا شقاوة النفس وكسر الخاطر وحزن القلب. قلت : فلماذا تستنكرون صمتي. قالوا : نحسدك عليه. قلت : أعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد.
الخاطرة الثامنة:
قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : وبم أتكلم ؟ قالوا : تكلم بما تريد . قلت : رأيت الناس لا يسمعون إلا ما يريدون ، فإذا تكلمت بما أريد فأنا ـ عندهم ـ متفلسف أو جاهل أو مكابر ، وفي أحسن أحوالي (إنسان غريب ) قالوا : إذن تكلم بما يريدون خير لك من الصمت . قلت : بل الصمت خير لي ، به أحفظ كرامتي ، ولا أكون إمّعة .
الخاطرة التاسعة:
قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : وبم أتكلم ؟ قالوا : تكلم بالخير . قلت : لاقتصاري على ذلك عددتموني صامتا ، ولو زدت عليه لما سألتموني . قالوا : ولكنك قليل الكلام . قلت : الخير لا يحتاج إلى كثير الكلام .
الخاطرة العاشرة:
قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : ولماذا تسألون ؟ قالوا : نسأل لصمتك ؟ قلت : ولماذا لا تصمتون عن السؤال لصمتي ؟ قالوا : الأصل أن تتكلم فسألنا عما يخالف الأصل . قلت : بل الأصل أن أصمت . قالوا : كيف ؟ قلت : الصمت أسبق وأولى . قالوا : وضح لنا . قلت : خُلق الإنسان صامتا قبل أن يتكلم فهو أسبق ، والكلام يحتاج إلى تحريك لسان وشفتين وبذل مجهود ، والصمت لا يحتاج إلى ذلك ، وما لا يحتاج إلى مجهود أولى . قالوا : رغم مجهود الكلام إلا أنه مريح . قلت : والصمت مريح بلا مجهود . قالوا : نشك أن الصمت مريح . قلت : من ذاق عرف .
الخاطرة الحادية عشرة:
قالوا : لماذا الصمت ؟ قلت : وما شأنكم ؟ قالوا : نراك صامتا ضعيفا ! قلت : بل متكلم قوي ! قالوا : كيف ؟ قلت : صمتي معكم جعلني أتكلم مع ربي أبث إليه همي فقوي إيماني ، وعلمني التحمل والصبر فقويت نفسي . قالوا إذن نحن المساكين . قلت : كما ترون في أنفسكم .