القاهرة ـ مصر
معايشة القرآن الكريم

خواطر (قالوا تعصي العظيم) 15 خاطرة

خواطر إيمانية (قالوا تعصي العظيم) يكتبها الدكتور/ بلال محمود طلب

الخاطرة الأولى:

قالوا : تعصي العظيم ؟ قلت : ليس عن عزم وإصرار . قالوا : كيف تعصيه وهو العظيم ؟ قلت : عظمته في قلبي وإن عصيته الدهر كله . قالوا : أتريد العودة إليه : قلت : قد دعاني إليه . قالوا : ألا تستحيي تعود وقد عصيته ؟ قلت : بل أسحيي ألا ألبي دعوته ، وقد أنكرتم عليّ معصيته ! فكيف أعصيه في دعوته ؟!

الخاطرة الثانية:

قالوا : تعصي العظيم ؟ قلت : وأطيعه أيضا ؟ قالوا : الذنوب تحبط العمل . قلت : “إن الحسنات يذهبن السيئات” قالوا : ماذا لو رجح ميزان سيئاتك على حسناتك ؟ قلت : حسن ظني فيه وحبي له لا يرجح عليه شيء !!

الخاطرة الثالثة:

قالوا : تعصي العظيم وقد خلقك ! قلت : بل عصته نفسي وجوارحي وهواي وقد خلقوا معي. قالوا : وقد خلق الله لك عقلا ليكون سلطانا عليهم. قلت : ما من سلطان إلا ويغفل أحيانا عن بعض رعيته. قالوا : ماذا لو طغت رعيتك ؟ قلت : ألجأ إلى من لا يغفل عن رعيته ليعينني عليهم . قالوا : وإن لم يجبك. قلت: كيف وقد قال ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب ” ؟!

الخاطرة الرابعة:

قالوا : تعصي العظيم! قلت : لست معصوما. قالوا : ولكنك مؤاخذ بما تعصي! قلت : ومقبول أيضا بتوبتي. قالوا : إن لم يقبل ؟ قلت : ما وهب الله عبدا استغفارا إلا وهو يريد أن يغفر له ، وإلا فلم وهبه ؟

الخاطرة الخامسة:

قالوا : تعصي العظيم ونسيت أنه يراك! قلت : وكيف أنسى وقد قتلني الحياء منه. قالوا : فلم تعصيه إذن؟ قلت : كتبت المعصية على كل البشر ، وأولهم قد عصاه. قالوا : لكنه قد تلقى من ربه كلمات فتاب عليه. قلت : تلقيناها معه ونحن في ظهره ، فلا نبرح نستغفره بها ما بقينا “ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين”

الخاطرة السادسة:

قالوا : تعصي العظيم ولم تستحي منه! قلت : قد قتلني الحياء منه. قالوا : لو كنت تستحيي منه ما عصيته! قلت : بل كانت معصيتي سببا للحياء منه. قالوا : إذن تبرر معصيتك بالحياء ، فتعصيه لكي تستحيي. قلت : بل أبرر الحياء بالمعصية. قالوا : ما الفرق. قلت : لا أعصيه عزما لكي أستحيي منه ، بل لما عصيته سهوا وجهلا استحييت منه. قالوا : لكنك في النهاية عصيته. قلت : كلا بل نهايتي أني استغفرته.

الخاطرة السابعة:

قالوا : تعصي العظيم ! قلت : مع كرهي لمعصيته ، وحبي لطاعته . قالوا : وماذا يفيد وقد عصيته ؟ قلت : أطعته بحب فقربني ، وعصيته بكره فلم يبعدني . قالوا : وما أدراك أنه لم يبعدك ؟ قلت : حين قذف في قلبي كرهي لمعصيته علمت أنه ما زال يتودد إلي ويدعوني، ولو لم يرِدْني لحبب إلي معصيته ولاستمرأْتها . قالوا : وما عملك حين عرفت ذلك ؟ قلت : ألزم بابه منيبا مستغفرا .

الخاطرة الثامنة:

قالوا : تعصي العظيم ! قلت : وما شأنكم أنتم ؟ قد زدتم وأثقلتم ! قالوا : ننكر المنكر . قلت : منكر ظهر أم استتر ؟ قالوا : ننكر كليهما ؟ قلت : لست بأحمق حتى أجاهر بمعصيته فأخرج من بيت معافاته . قالوا : إذن ننكر ما استتر . قلت : إذن أنكروا على أنفسكم ، فقد ستر عليكم كما ستر عليّ ، أم أنكم تدّعون العصمة ؟ هنا لك طأطئوا رءوسهم وقالوا : إذن ما المخرج لنا ولك ؟ قلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم ).

 

الخاطرة التاسعة:

قالوا : تعصي العظيم وتدعي أنك من الدعاة إليه ؟! قلت : وهل من تعارض ؟! قالوا : كيف تدعو الناس إلى نظافة ثيابهم وثوبك متسخ ؟! قلت : رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، وربما اتساخ ثوب الداعية رغم أنفه وهو يحاول غسله بقدر استطاعته ! قالوا : لكن الله تعالى يقول : “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ” قلت : وقد قال أيضا : ” ادع إلى سبيل ربك ” قالوا : هذا لمن لا يعصي . قلت : إذن لن يدعو أحد إلى ربه فلا أحد معصوم . قالوا : فكيف يستنكر ربنا على من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ؟ قلت : هذا فيمن لا يحاول إصلاح ثوبه المتسخ . قالوا : الآن فهمنا . قلت : الحمد لله .

الخاطرة العاشرة:

قالوا : تعصي العظيم وهو يسترك ؟! قلت : أعن حسد منكم أنه يسترني ؟! قالوا : بل نتعجب ! قلت : تتعجبون من ستر الله علي أم من معصيتي له رغم ستره ؟! قالوا : نتعجب من ستر الله . قلت : سبحان الله ! تعجبون من ستره وهو الحيي الستير ، الرحمن الرحيم ذو الفضل العظيم يتودد إلى عباده بستره عليهم ليحبوه ، ولو فضحهم لتركوا طاعته والتوبة إليه . قالوا : إذن نتعجب من معصيتك له رغم ستره عليك ! قلت أيضا : سبحان الله ! عصيته فسترني ، وتبت إليه فقبلني ، فلما سترني أحببته ، ولما تبت إليه أحبني ، وما زال الحب بيننا . قالوا : إلى متى ؟ قلت : إلى أن أطيعه دوما فيسترني وأتوب إليه من غير معصية ؟قالوا : لقد ألغزت علينا المسألة فأفهِمْنا ! كيف يسترك وأنت تطيعه ؟ وكيف تتوب إليه ولم تعصه ؟! قلت : يسترني لكي تكون الطاعة سرا بيني وبينه ، وأتوب إليه من طاعة لا تليق بمقامه ، قالوا : الآن فهمنا . قلت : كلا لم تفهموا ! قالوا : كيف ؟ قلت : هذا لا يفهمه إلا من عرفه ، ولن يعرفه إلا من ذاقه . قالوا : قد ذقناه . قلت : كذبتم ! لو ذقتموه لما سألتم عنه واعتبرتموه لغزا .

الخاطرة الحادية عشرة:

قالوا : ألا تنتهي عن معصية العظيم ؟! قلت : سوف أنتهي حين تنتهون . قالوا : أجبنا ودعك منا . قلت : قد أجبتكم ! قالوا : كيف ؟ قلت : الأسباب التي أعصيه لها من غفلة وشهوة ونسيان هي عندكم ، فإذا تدبرتم في أنفسكم علمتم ما في نفسي . ولكن هناك فرق بيني وبينكم في المعصية . قالوا : كيف ؟ قلت : عصيته فأقررت وعصيتموه فادعيتم الولاية ، وعصيته فسألتموني عن معصيتي وعصيتموه فلم أسألكم ، عصيته فانشغلت بالمجاهدة وعصيتموه فانشغلتم بالمكابرة ، عصيته…

الخاطرة الثانية عشرة:

قالوا تعصي العظيم ولما تنته بعد ! فإلى متى ؟ قلت : إلى أن يقدر لي أن أنتهي ! قالوا : بل حين تقرر أن تنتهي . قلت : قد قررت كثيرا فلم أفلح ! قالوا : لماذا ؟ قلت : لأنه لم يأذن أن أفلح ! قالوا : لعله لم يأذن لأنك لست أهلا للتوبة ! فتبسمت وقلت : ولكني أتوب كلما عصيته فكيف لا أكون أهلا للتوبة ؟! قالوا : نقصد لست أهلا لأن تتوب بلا عودة للمعصية . قلت : إذن سأكون نبيا معصوما !! قالوا : لا ، لم نقصد هذا ! قلت : فماذا تقصدون إذن ؟ قد احترت معكم ! قالوا : بل أنت الذي حيرتنا !!

الخاطرة الثالثة عشرة:

قالوا تعصي العظيم ولم ترهب عذابه ! قلت : بل أعصيه وأرجو رحمته . قالوا : كيف يرجوها عاص ؟! قلت : بل كيف يقنط من رحمته مقر بمعصيته ؟ قالوا : ماذا لو عذبك بمعصيتك ؟ قلت : أيعذبني وأنا أرجو رحمته ؟ قالوا : ما المانع ؟ قلت : ظننا فيه ، ألم يخبرنا أنه عند ظن عبده ؟ قالوا : ماذا لو خاب ظنك ؟! قلت : لا يخيب وعده أبدا . قالوا : أنت تطمع في فضل الله كثيرا ! قلت : بهذا أمرنا ؟ قالوا : كيف ؟ قلت : قد نادانا “يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا” قالوا : لكنه قال بعدها :”وأنيبوا إلى ربكم” قلت : أنا أكثر الناس إنابة ! قالوا : كيف ؟ قلت : كلما عصيته أنبت .

الخاطرة الرابعة عشرة:

قالوا تعصي العظيم وغرك أنه أمهلك ! قلت : بل أفرحني أنه أمهلني لأتوب ! قالوا : ربما أمهلك استدراجا لتزداد معصية فيهلكك ! قلت : ولكنني أتوب وهذا يكذب ظنكم ! قالوا : ولكنك تعصي والمعصية سبب الهلاك . قلت : كلا ، التوبة سبب الغفران ومنع الهلاك . قالوا : كيف ؟ قلت : قد قال ربي “وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”.

الخاطرة الخامسة عشرة:

قالوا تعصي العظيم ؟ قلت : نعم أعصيه . قالوا : وتتبجح وتجاهر بالمعصية ؟ قلت : سبحان الله ! هل أكذب وأدعي العصمة ؟! قالوا : أليس هذا جهارا بالمعصية ؟ قلت : كلا . قالوا : وما المجاهرة إذن ؟ قلت : أن تذكر معصية بعينها وتصفها تفاخرا بها . قالوا : وبم تسمي ما أنت فيه ؟ قلت : إقرار . قالوا : ولماذا تقر ؟ قلت : لأنكسر له تعالى ، فهذا قمة العبودية ، وقد قال العارفون : معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت غرورا واستكبارا . قالوا : إذن أقررنا أننا نعصيه مثلك !

شارك المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on tumblr
Share on pinterest

شارك

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on tumblr
Share on pinterest

مقالات ذات صلة

لهم في الدنيا خزي

استوقني قوله تعالى (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) فقلت : خزي وخذلان في الدنيا ، وعذاب عظيم في

اقرأ المزيد »

لهم في الدنيا خزي

استوقني قوله تعالى (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) فقلت : خزي وخذلان في الدنيا ، وعذاب عظيم في

اقرأ المزيد »

“تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ”

لماذا تكررت الآيتان (134 و 141) من سورة البقرة: “تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا

اقرأ المزيد »

نموذج العمل الجماعي

من النماذج القرآنية التي تمثل وحدة متكاملة عن العمل الجماعي ـ ما ذكره الله تعالى في سورة النمل عن سيدنا سليمان عليه

اقرأ المزيد »